نتفق جميعاً على نقطة هامة وهي أنه لا بد من إصلاح وتغيير أشياء كثيرة في ذواتنا، في مجتمعنا، وفي أوطاننا.. كشرط أساسي للإصلاح. ونتفق كذلك على أن هذا التغيير يـجب أن يبدأ بالنفس.
إننا عندما نرى ما حل بنا وبأمتنا من تسلط أعداء الله وانحطاط في كافة المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية نبادر لاتهام الحكومات والرؤساء والملوك ومؤامرات الأعداء و… وهم بلا شك يتحملون نصيباً كبيراً من المسئولية عن ذلك. لكن هل نحن بريئون..؟ هل انتصرنا على أنفسنا وشهواتنا..؟ هل صدقنا مع الله في إصلاح أنفسنا..؟ هل سلكنا السبيل الصحيح لنهضة الأمة وتغيير حالها..؟
إن التغيير الحقيقي هو الذي ينطلق من الذات مصحوباً بنية صادقة ومخلصة لله تعالى في التغيير وإلى الأبد. قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وهنا ندرك معنى الصيحة التي أطلقها الأستاذ/ الهضيبي – رحمه الله- للشباب المسلم الساعي نحو التغيير: {أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم}.
ومنطلق تغيير النفس وإصلاحها هو تغيير القناعات والأفكار وخلع حالة الإحباط واليأس، بل وتحدي المعوقات وليس اصطناعها وتضخيمها؛ وقهر الظروف وتسخيرها والسمو بالنفس وبالهمة والتحليق بها عالياً فلا ترضى بأقل من قمم الجبال الشوامخ‘ واستعذاب الجهد والتضحية في سبيل ذلك.
ولنا في الرعيل الأول من الصحابة الكرام أسوة حسنة وقدوة: ما الذي جعل ذلك الرجل الأعمى ( ابن مكتوم رضي الله عنه) يخوض غمار المعركة ولجّة الوغى وملتقى الفرسان..؟ بل ما الذي حمل مصعب بن عمير – رضي الله عنه – على أن يترك الترف ويهاجر فاراً بدينه إلى المدينة لابساً أثواباً خشنة ومرقعة..؟
إنه النصر الحقيقي والتغيير الحقيقي الذي توج بهذه الأعمال الجبارة.. إنه قهر النفس وتطويعها للسمو والتحليق في السماء والتلذذ بالعبودية لله عز وجل، والطمع في أسمى غاية ( جنات عدن مفتّحة لهم الأبواب).