إحدى المنظمات خلال فترة لا تزيد عن 3 أشهر فقط ! -ولظرف ما – استقال 30% من موظفيها، مما اضطر إدارة المنظمة أن توظف آخرين بدلاً عنهم ، ظن القائمون على المنظمة أن استيعاب الموظفين الجدد للوائح ونماذج العمل ، وبعض الدورات التدريبية في فن التعامل مع العملاء،كفيل بإكسابهم القدر الكافي من الإلمام بمتطلبات العمل، وهو ما تبين خطاؤه، حيث اصطدم عملاء المنظمة بنمط جديد في التعامل؛ لم يرتق إلى المستوى السابق للمنظمة في تعاملها معهم، وبالطبع غني عن القول بأن المنظمة خسرت الكثير من عملائها، وبالتالي خسارة مالية مهولة.
ومنظمة أخرى يشتكي قادتها أنهم يقعون في نفس الأخطاء باستمرار ، وخصوصاً مع كل حركة تدوير وظيفي أو ترقيات ، مما يكلف المنظمة الكثير من الأموال.
ولا يخفى عليك قصة شركة نوكيا التي كانت مسيطرة يوماً على سوق الهواتف المحمولة ، وهي اليوم تلهث لتجد لها حصة في كعكة سوق الهواتف المحمولة !
لعلك عزيزي القارئ تقول هذا يحدث كثيراً ، – و تتساءل- وماذا بوسع تلك المنظمات أن تفعل اكثر مما فعلت ؟!
محتويات المقال
سباق التعلم والتطور:
في عصر المعلومات المتضاعفة الذي نعيشه أصبحت المعلومات تزيد ، وتتضاعف بشكل مهول في إطار الثانية الواحدة ،أبحاث جديدة؛ و مؤتمرات ومقالات علمية.. الخ، إضافة إلى المعلومات الثمينة التي اكتسبتها المنظمة بعرق جبين موظفيها؛ و تجاربها الميدانية مع واقعها وعملائها، وهي معلومات ربما لا توجد في أي دراسة أو كتاب أو مقال يصدر هنا او هناك. في واقع كهذا نحن بحاجة الى نموذج أو شكل جديد يستوعب ولو إلى حدٍ ما هذا الكم الهائل من المعلومات، ويوثق ما أمكن منها لتصبح متاحة لكل موظفي المنظمة .
الحل في التحول إلى منظمة متعلمة :
للتخلص من تلك المشكلات واشباهها وجدت نماذج ونظريات إدارية؛ مثل “إدارة المعرفة” و “التعلم التنظيمي ” والمنظمة المتعلمة” ونحوها.
برز مفهوم (المنظمة المتعلمة) منذ سبعينيات القرن الماضي ، ويعد بيتر سينغ (Peter Senge ) عالم الإدارة الأمريكي المنظر الرئيسي للفكرة ،وله كتاب شهير في ذلك اسماه (The Fifth Discipline: the Art and Practice of the Learning Organization ) الذي نشر من خلاله مفهوم المنظمة المتعلمة .
ورغم قدم المفهوم ؛ إلا أننا لم نلاحظ أي احتفاء به أو تجارب عربية، إلا في الفترات المتأخرة ،حيث وجدت عدد من الدراسات الأكاديمية عنه، كما توجد تجارب موثقة لبعض الجامعات والمدارس العربية لتطبيقه.
ماهي المنظمة المتعلمة ؟
المنظمة المتعلمة كما عرفها Senge هي: منظمة يعمل فيها الأفراد باستمرار على زيادة قدراتهم في تحقيق النتائج التي يرغبونها بدقة، والتي يتم فيها مساندة وتشجيع وجود نماذج تفكير جديدة وشاملة، ويطلق فيها المجال لطموحات العاملين للتعلم من بعضهم كمجموعات.
وقد شدد Senge كثيراً على تطوير نماذج التعلم لدى العاملين ، وهي باختصار الطريقة التي يكتسب بها الفرد معلوماته وخبراته وتشكل قناعاته، ويذكر Senge أنها أحد أهم مفاتيح التحول إلى المنظمة المتعلمة ، ويجب تصحيح تلك النماذج حتى ينتج عنها تعلم سليم.
أبعاد المنظمة المتعلمة :
وحدد Senge خمسة أبعاد للمنظمة المتعلمة نجملها في :
- القدرات والإمكانات الفردية الشخصية PERSONAL MASTERY، وإصرار الفرد على التعلم وقدرته على التطور ورؤية الحقائق بموضوعية.
- النماذج الفكرية MENTAL MODELS، وهي الأنماط التي يسير وفقها تعلم الفرد من المواقف والتجارب المختلفة .
- النظرة المشتركة – SHARED VISION ،ويقصد بها وجود صورة مستقبلية مشتركة لدى كافة أفراد المنظمة.
- التعلم الجماعي – TEAM LEARNING، وهي إعطاء الفريق الحق في التعلم من بعضهم في إطار مجموعات من اختيارهم وغير مقيدة بنمط .
- التفكير المنظم – SYSTEMS THINKING ، ويعني النظر لكافة الأحداث والأنشطة والتجارب التي تمر بها المنظمة بشكل مترابط وانها تؤثر بشكل خفي على مواقف واحداث لاحقة وتشكل معها ثقافة تنظيمية راسخة.
كيف تتعلم المنظمة :
ولذا فإن عمل المنظمة المتعلمة يسير في حلقة دائرية منتظمة من الخطوات الآتية :
1- اكتساب أفكار ومعرفة جديدة وتعلمها.
2- تحويل ونقل تلك المعرفة إلى كافة أنحاء وأقسام المنظمة وأفرادها.
3- التبادل الحر والمستمر للأفكار والمعلومات والمعارف بين أعضاء المنظمة .
4- تغيير السلوك التنظيمي نتيجة هذه المعارف الجديدة .
5- قياس نتائج التغيير.
هل يمكن تطبيق فكرة المنظمة المتعلمة؟ :
يقول كثير من علماء الإدارة أن التطبيق العملي لفكرة المنظمة المتعلم بالغ التعقيد،ويتطلب خبرة ونظم تقنية خاصة، وكل ذلك يعتمد على حجم المنظمة وقدراتها المالية ، ولا يعني ذلك بحال أنها مستحيلة التطبيق فشركة تويوتا استطاعت بالفعل تطبيق ذلك بشكل ممتاز يقتبس منه الكثيرون، وكذلك بعض المؤسسات التعليمية ،ولحسن الحظ أن بإمكاننا التدرج في تطبيق نموذج المنظمة المتعلمة ، مهما كان حجم منظماتنا اذا وجدت العزيمة والفهم السليم للفكرة .
كيف يمكن تطبيق فكرة المنظمة المتعلمة؟
لذا اعرض هنا(7) أفكار مبسطة على طريق تطبيق فكرة المنظمة المتعلمة :
1. تطبيق مبدأ نقل المعرفة:
ويقوم على تنظيم عملية تبادل المعرفة بين أفراد المنظمة، فكل فرد حضر دورة أو شارك بمؤتمر أو ورشة تدريبية ملزم بنقل ما تعلم لأفراد منظمته. كما يمكن ان تشمل عملية نقل المعرفة الاستفادة من ذوي الخبرة من افراد المنظمة. وتؤتي هذه الفكرة ثمارها بشكل واضح إذا تم وضعها ضمن أنشطة وخطط المنظمة التطويرية، وتم تحديد الوقت الدوري والثابت لها الذي لايمكن استقطاعة لصالح نشاط آخر إلا في حالات الضرورة القصوى.
2. ايجاد بنك للمعرفة في المنظمة
وهو قاعدة بيانات إلكترونية يمكن برمجته بشكل خاص للمنظمة، أو الاستفادة من النظم التي تقدمها بعض الشركات البرمجية بأسعار محددة، أو يمكن تطويع مجموعات برامج التواصل الاجتماعي لهذا الغرض على أقل تقدير (فالميسور لا يسقط بالمعسور)، ويقوم أفراد المنظمة من خلال تلك المنصة بتبادل المعرفة، والكتب والنشرات العلمية ومناقشة تجاربهم في العمل ، وحتى تنجح هذه الفكرة لابد من وجود آلية في تلك المنصة لحفظ النقاشات والكتب ؛ التي يتم نشرها حتى يسهل الوصول إليها، كما يجب أن يتم توعية أفراد المنظمة بأهمية تلك المنصة ؛حتى يتفاعل الجميع مع أنشطتها ويتقنوا استخدامها، وأن يتم برمجة وتخطيط نقاشاتها ضمن خطط إدارة الموارد البشرية. و إذا كنت اطلعت على تجربة هيئة الطرق والمواصلات في دبي في الفيديو التالي ستفهم الكثير حول هذه الفكرة.
3. مجموعات القراءة التخصصية:
وهي مجموعات داخل إطار المنظمة، تهدف إلى تعزيز علاقة أفراد المنظمة مع المعرفة والكتاب وإطلاع العاملين على كل جديد في مجال عملهم، وتقتضي هذه الفكرة أن :
- يتم تحديد أحدث الكتب للقراءة .
- لا يشترط قراءة فصول مطولة لساعات على حساب الدوام؛ بل يكفي تحديد (20-30دقيقة اسبوعياً او يومياً) تخصص خمس دقائق للقراءة وبقية الوقت للنقاش حول أفكار تطبيقية لما تم قراءته.
4. إتاحة المجال للمجموعات غير المنتظمة للنقاش وتبادل الأفكار
حيث أطلق عليها Senge فرق التعلم، وذكر أن الحوار الذي يدور داخل تلك الفرق يمثل أحد أقوى أشكال نقل الخبرة والتجارب بين افراد المنظمة ، وهي مجموعات تتم أثناء جلسات تناول وجبات الإفطار، أو الشاي في العمل أو الأنشطة الترفيهية التي تقيمها المنظمة لأفرادها.
5. تحليل التجارب والخبرات وتوثيقها:
كم مرة خاضت منظمتك تجربة مشروع أو منتج جديد سواء فشل أو حقق نجاحاً باهراً؟ أنت بحاجة إلى تدارس وتحليل تلك التجربة مع فريقك واستخلاص الفوائد والعبر منها، ثم توثيق تلك التجربة وحفظها وأرشفتها، ويدخل في هذا أيضا القرارات و المشاركات في الفعاليات الخارجية بإسم المنظمة ولقاءات تبادل الخبرات مع الجهات المماثلة .. الخ . وحتى تنجح هذه التجربة لابد من :
أ. تدريب الافراد على تحليل المواقف و كتابة التقارير الخاصة بتوثيق تلك التجارب بدقة .
ب. تكليف وحدة إدارية لمتابعة الافراد في التوثيق وتذليل أي صعوبات تواجههم في سبيل ذلك.
ويوجد هذا البند ضمن بعض الأنظمة التقنية المتطورة لإدارة المعرفة.
6. تجربة التدوير الوظيفي المؤقت:
وهي عملية تغيير الموقع والتوصيف الوظيفي لكل فرد في المنظمة، بحيث يمارس مهام زميله، وفوائد هذه الفكرة عظيمة جدا فبالإضافة لكونها تمنح الأفراد الفرصة لتجربة جديدة، واكتساب معارف ومهارات مختلفة، فهي أيضا تفتح المجال للمؤسسة لاستكشاف طاقات الأفراد ومواهبهم. ويمكن تطبيق الفكرة على قسم واحد او إدارة او عدة إدارات ، حسب حجم المنظمة ونظام عملها. ومن عوامل نجاح هذه التجربة :وجود جلسة نقاش أولية بين شاغل الوظيفة الأصلي والجديد؛ قبل تنفيذ التدوير وجلسة أخرى في نهاية التجربة ،يقدم فيها كل فرد تجربته مكتوبة لتوثيقها.
7. التدريب على رأس العمل:
تعودت أكثر المنظمات على التدريب المعتاد في القاعات التدريبية ، بينما الأبحاث تثبت أن التدريب على رأس العمل ذو أثر ومردود أقوى، إذا تم بطرق صحيحة ،وتم تنظيمه في إطار عملي مزمّن، وعلاوة على الخبرات المكتسبة منه ؛فإنه يعتبر أحد اقوى أساليب توريث العمل ،والحد من احتكار المناصب.
هذه سبعة أفكار عملية على طريق الانتقال نحو المنظمة المتعلمة، أعتقد انها بمتناول يد أي منظمة، بغض النظر عن حجمها وقدراتها المالية.
وفوائد تطبيق تجربة المنظمة المتعلمة في مضاعفة المعرفة لدى المنظمة عظيمة جدا ،تستحق المجازفة وخوض التجربة، سعياً لتشكيل ثقافة المنظمة ،ومعرفتها بشكل علمي وموثق وتذكر القاعدة التي تقول :
علم المنظمة أكبر من مجموع علم افرادها.
فالمعرفة تتضاعف ،وبتطبيق نموذج المنظمة المتعلمة نحجز لمنظمتنا مكانا في سباق التطور والمعرفة.
لا تنس الاشتراك في قائمتنا البريدية ليصلك جديدالموقع.
الصور من موقع rawpixel