قرار المجموعات الكبيرة والصغيرة..أيهما أقرب للصواب؟ :
يعتبر القرار السليم أمنية فرق العمل والمجموعات ذات الاهتمام المشترك، لأنه الضمان لعدم استنزاف الموارد وضياع رأس المال ووقوع الكثير والكثير من المشكلات؛ لذا تلجأ هذه المجموعات للقرارات الجماعية بطرق وأساليب مختلفة سعيا نحو القرار الأقرب للصواب.
لكن دعونا نتأمل حينما نسأل بشكل سريع وعابر أيها أصوب ،أو أقرب للوصول للصواب قرار الفرد أم قرار المجموعة الصغيرة (خمسة أشخاص حد أقصى) أم قرار الجماهير الكبيرة ؟
بالتأكيد سنجد الجواب الجاهز: كلما كان الجمهور أكبر كلما اقتربنا من الصواب!
وذلك لما غرس في وعينا منذ الصغر من فهم خاطئ لمفهوم رأي الجماعة، والحديث المجمل عنه وعن بركته وصوابه. بالتأكيد لا أختلف مع من يقول ذلك لكن دعنا عزيزي القارئ نبحث هنا عن الطريق الأمثل لقرارات جماعية صائبة.
القرار الفردي:
هو منبع أي قرار أيا كان نوعه ويتأثر بالتأكيد بتوجهات الفرد وثقافته ونزعاته بل وحالته النفسية.
ولأن الفرد هو منبع الفكرة الإبداعية والقرار الجديد، فكلما وجد فرصته في التفكير والحصول على المعطيات والمعلومات حول موضوع القرار أجاد في صناعة القرار وأبدع فيه؛ وتبقى بعض الثغرات والنواقص التي يجب سدها بالرأي الجماعي.
القرار الجماعي:
لا شك أن هذا النوع من القرارات يحمل قوة وقيمة أكبر، ولا يستغني عنه أي فريق عمل أو مجموعة أو منظمة مهما كان نوعها وحجمها؛ إذ أنه يمثل شكلاً من أشكال الشورى والديمقراطية وإشراك الأفراد في صناعة القرار.
ويعتري هذا النوع من القرارات عيوب تفقده قيمته وروحه ورجاحته منها:
- وجود أفراد لديهم قدرة فائقة على المراوغة واللعب بعواطف الجمهور لتغيير قناعتهم.
- يصاحب وجود كثير من الأفراد -عند وجودهم ضمن الاجتماعات والمجموعات الكبيرة – حالة من الكسل أو الخجل أحياناً في النقاش وابداء الرأي ومن باب أولى الاعتراض لأنه يتطلب قوة شخصية قلما تتوفر لدى الكثير مما يجعل هذا الفرد موافقاً لرأي من يميل إليه أو موافقاً للأغلبية دون تفكير.
- نزعة موافقة الجمهور لدى الفرد تجعله يوافق المجموعة ولو خالفت رأيه وقناعاته اليقينية بل دون أن يعرف مبررات موقف الجمهور أحيانا .
وهي ما عبر عنه بعض الباحثين بـ (غريزة القطيع) والتي أثبتها عالم النفس الأمريكي (سولومون آش) والتي عرفت ب (مجموعةتجارب آش للامتثال The Asch conformity experiments) حيث قام ب50 تجربة في منتصف القرن الماضي على مجموعة من الطلاب ؛و عرض للطالب -على انفرد- ورقة عليها خط مستقيم وبجانبه ثلاثة خطوط أخرى أحدهاأطول منه وآخر اقصر والثالث مساوٍ تمام للخط الأول، كان الباحث يسأل كل طالب عن الخط المساوي للخط الأول فكانت إجاباتهم الفردية سليمة ثم يدخل ذلك الطالب معمجموعة أخرى من الطلاب الذين اتفق معهم الباحث مسبقاً على أن يختاروا أحد المستقيمات الخاطئة على أنه المساوي للمستقيم الأول وجعل أغلبهم قبل الطالب الخاضع للتجربة ؛ وكانت المفاجأة أن الطالب غير رأيه الأول واتبع المجموعة في قرارهاالخاطئ . شاهد فيديو يشرح التجربة أدناه:
إنها الحرص على موافقة الجمهور وألا تبدو شاذا عنهم ولوكان بدون مبرر وأبسط من تجربة (آش) وأوضح منها (تجربة المصعد ) بطريقة الكاميرا الخفية شاهدها في الفيديو الآتي:
قرار المجموعات الصغيرة:
ونقصد بالمجموعات الصغيرة تلك التي لاتزيد عن خمسة أشخاص إذ أنها تمنح الفرد الجرأة على النقاش والحوار والاعتراض؛ وتزيد فاعلية هذا النوع من القرارات إذا كان أفراد المجموعة متقاربين في المستوى الثقافي والمكانة الاجتماعية، وهذا ما أثبته الباحثان (ماريانو سيجمان و دان ايريلي) حيث أجريا تجاربهما على أكثر من عشرة آلاف من المشاركين في فعالية (TEDx) الشهيرة حيث إختبرا فاعلية القرار الفردي وقرار المجموعات الكبيرة وقرار المجموعات الصغيرة ، وتوصلا لعدد من النتائج الهامة أبرزها: أن أنجح القرارات هي التي تتخذ في المجموعات الصغيرة لما فيها من حرية تبادل الرأي والنقاش ، شاهد الفيديو الآتي حول تفاصيل التجربة ونتائجها: (يمكنك إختيار الترجمة العربية من القائمة)
إذن كيف نستفيد من مميزات القرار الجماعي والقرار الفردي؟
بحسب تجربة الباحثين (ماريانو سيجمان و دان ايريلي) المذكورة آنفا فإن القرارات الجماعية تكون أقرب للصواب إذا توفر فيها عنصران هما :
- تنوع الآراء.
- التشاور.
لذا فنحن بحاجة أن نمنح الفرد حريته في بناء رأي وحل للمشكلة خاص به بعد أن يتعرف على توصيف للمشكلة ثم نفسح المجال للمجموعة الصغيرة أن تتشاور للوصول الى أصوب الحلول، وهي مشتقة من اسلوب يعرف باسم (Nominal Group) وترجمة البعض ب المجموعة الاسمية او المجموعة الشكلية ويمكن دمجها مع افكار الباحثين (ماريانو سيجمان و دان ايريلي) ضمن مصفوفة الخطوات الآتية:
- تلتقي المجموعة الكبيرة ويوضح الرئيس تعريف المشكلة وتوصيفها وإعطاء أي معلومات ذات صلة بها او يطلبها الحاضرون.
- يعطى الأفراد وقتاً كافياً للتفكير في وضع الحلول والبدائل المناسبة للقرار ويحاول كل فرد أن يستعد للنقاش بتدوين حيثيات الحل أوالحلول التي يقترحها، وتهدف هذه الخطوة إلى اتاحة المجال للافراد حتى يفكروا بمعزل عن تأثير الآخرين كي يتوصلوا لحلول تعبر عنهم وعن قناعاتهم.
- يلتقي الأفراد ضمن مجموعات صغيرة (3-5) لتدوين تلك الأفكار التي توصلوا إليها فرادى دون تكرار.
- يفتح مدير الجلسة المجال للاعتراضات القانونية او المنطقية الواضحة ، مع توقيف وعدم السماح بالانتقاص من الافكار لمجرد النقد وابداء الرأي المعارض.
- يفتح المجال للتصويت على الآراء وكلما كانت الاقتراحات كثيرة يمكن ان يتاح للعضو التصويت بأكثر من صوت (لكل عضو 3 اصوات مثلا).
- يتم حساب الأصوات لكل رأي واختيار الأكثر تصويتا من الحلول.
- يمكن ان يفتح المجال للنقاش ويعاد التصويت في حال تساوي الأصوات أو تقاربها بفارق صوت اوصوتين حتى يكون الفارق بين الرأي المختار وما بعده مقبولا
بحسب حجم المجموعة وطبيعة المشكلة محل القرار يمكن اختيار طريقة تجميع الافكار وأقترح عليك أحدى طريقتين :
- طريقة اختيار ما وصفة (سيجمان) بـ “المتوسط الفعال” وهو متوسط الآراء بعد استبعاد الشاذ منها توافقاً أو اجماعاً.
- طريقة نقاش مندوبي المجموعات ضمن مجموعات أخرى وهي مجدية مع المجموعات (50-100) فرد.
والخلاصة إن تنوع الآراء وحرية نقاشها هو ما يوصلنا ل (الشورى) أو الديمقراطية التي توصلنا للقرار السليم والتي ننشدها في مجموعاتنا ومنظماتنا وتحفظ خط سيرها من الانزلاق ويحمي فريق العمل من التشرذم والشعور بالتهميش وهنا تكمن (بركة)الرأي الجماعي.
شاركني رأيك من خلال التعليق على المقال او مراسلتنا من هنا
جميع الصور من موقع www.freepik.com