تطورت الأبحاث المتعلقة بعلم القيادة، خلال الربع الأخير من القرن الماضي، وتضاعفت مع مطلع القرن الحالي، هذا التركيز الشديد على هذا العلم الحيوي أغفل – للأسف- ركناً حيوياً لا تنجح القيادة الا به إنه (علم الأتْبَاع).
فهل سمعت من قبل عن علم الأتْبَاع؟. أو باللغة الإنجليزية (followers) ، او المتابعة (followership) ؟ .
تعتبر البروفيسورة Barbara Kellerman الأستاذة بجامعة هارفارد رائدة هذا العلم، وقد نشرت عام 2008 كتابها (Followership: How Followers are Creating Change and Changing Leaders)، والذي يعد اول مرجع مستقل يلفت النظر لهذا العلم، وضرورة الاهتمام به ودراسته، كرديف لعلم القيادة.
ورغم مضي أكثر من عقد على نشر ذلك الكتاب ؛ وإبراز علم الأتْبَاع ، ولفت النظر إليه لازالت المصادر العربية وحتى المترجمة المتخصصة في هذا العلم شبه منعدمة، ويكتفى بالإشارة العابرة لها عند الحديث عن القيادة .
تعريف علم الأتْبَاع :
عرّفت Kellermen الأتْبَاع أنهم مرؤوسين؛ يتمتعون بسلطة ونفوذ أقل من رؤسائهم.
وعرّفها Suda : أنهم الذين لديهم الرغبة في التعاون في العمل؛ من أجل إنجاز المهمة ، ولديهم درجة عالية من الالتزام بالعمل الجماعي ، وبناء التماسك بين أعضاء المنظمة .
أهمية فهم علم الأتْبَاع :
في بحث أجرته منظمة (Gallup) عام 2013 أجريت على 150 ألف شخص في أمريكا؛ وجد أن شخصاً من كل ستة أشخاص يضر بنشاط شركته، من خلال استنزاف الموارد، وإضعاف الروح المعنوية للعاملين الآخرين، وتشير الدراسة أيضا أن 18% من الموظفين ليس لديهم من المهام ما يشغل وقتهم، وعلاوة على ذلك يأخذون إجازات مرضية أكثر من غيرهم، ولكثرة مشكلاتهم فهم يأخذون الكثير من وقت مديريهم، والأسوأ من ذلك أنهم ينشرون سخطهم بين الموظفين، ويقوضون ما ينجزه الآخرون. وحتى نعلم خطورة الأمر فإن الدراسة تقول: أن هذه الفئة من الموظفين تكلف الولايات المتحدة ما بين (450مليار) إلى (550 مليار) دولار سنوياً.
هذه الدراسة تلفت انتباه الباحثين لضرورة الاهتمام بدراسة سلوك الأتْبَاع، لتلافي القصور وسعياً للحصول على أفضل أداء منهم.
أتباع اليوم قادة الغد:
ربما تبدو كنوع من الشعارات!، لكنها الحقيقة ، ففي عالم العسكر يقولون (من لم يتقن الجندية لن يتقن القيادة) ، والتاريخ يشهد أن القادة العظماء ورثهم أتباعهم المخلصين وحملوا القيادة من بعدهم، فالأنبياء لهم حواريين وأصحاب ، وهكذا كان رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام كان أبرز أتباعه هم سادتنا: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، عليهم رضوان الله وعن الصحابة أجمعين، وكان هؤلاء الأربعة هم القادة والخلفاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تقول Kellermen : إن كونك تابعاً جيداً لا يعني أن تكون (خروفاً)، لأن الحقيقة أن كل انسان يمثل دور التابع، بصورة أو أخرى، مهما كان موقعه القيادي.
فنحن أتباع للشريعة والدين، وأتباع لقادة حكوميين، وأتباع ربما لقيادات مجتمعية ..الخ.
علاقة التابع بالقائد:
الأصل في علاقة التابع بالقائد هو المتابعة والطاعة على بصيرة ، ولكن هناك صفة أساسية في التابع الجيد لا يحبها القادة المتسلطون والسيئون، وهي صفة الشجاعة في قول الحق، ومعارضة القائد إذا حاد عن رؤية وقيم المنظمة، لذا كما أشارت Kellermen و Rego أن التابع الجيد هو الذي يمتلك الشجاعة لمعارضة القائد؛ عندما يقدم على فعل خاطئ.
وهي صفة أتى بها الإسلام، ورسخها الخلفاء والقادة المسلمون، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه قال يوما في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا، فعاد مرتين، أو ثلاثا، قال بشير بن سعد: لو فعلت قومناك تقويم القدح، قال عمر: أنتم إذن أنتم.
و عن أبي قبيل قال: خطبنا معاوية رضي الله عنه في يوم جمعة فقال: إنما المال مالنا والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا، ومن شئنا منعنا، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن شهد المسجد فقال: كلا؛ بل المال مالنا والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا، فلما صلى أمر بالرجل فأدخل عليه، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس؛ إني تكلمت في أول جمعة فلم يرد علي أحد، وفي الثانية فلم يرد علي أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيأتي قوم يتكلمون, فلا يرد عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة ـ فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا علي أحياني، أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم.
اقرأ أيضا في مدونة حضرمي : ماهي المنظمة المتعلمة وكيف يمكن تطبيقها؟
أنماط الأتْبَاع :
قسّم Robert Kelley الأتْبَاع إلى خمسة أنماط ، من خلال النظر الى بعدين سلوكيين أساسيين، يقيس أحدهما مدى استقلالية التفكير، والبعد الثاني يقيس مستوى الفعالية والمشاركة، والانماط هي :
- نمط الخروف “Sheep” : وهم سلبيون في تفكيرهم ومشاركتهم ، ويحتاجون للتحفيز الدائم من القائد.
- نمط الموافقون “Yes-people”، وهذا النمط يفكر قليلاً، لكنه إيجابي في مشاركته وتفاعله مع القائد، ويعطي القائد المساحة الأكبر من التفكير.
- النمط المنعزل “alienated” : وهم سلبيون بشكل عام ، ولديهم استقلالية اكبر في التفكير، غير أن تفكيرهم متوجه نحو مصالحهم وأنفسهم، وليس نحو مصلحة المنظمة ، ورؤيتها.
- النمط البراغماتي “pragmatic” : وهذا النمط يُظهر مستوى منخفض من التفكير والمشاركة، بشكل عام ، غير أنهم يتحفزون عندما يرون بوضوح أن مآل العمل نحو النجاح، وهذا النمط يفتقر للتفكير الناقد ، ويتحفز بفكرة “الحفاظ على الوضع الراهن”.
- نمط الأتْبَاع النجوم “star followers”، وهذا النمط مستقل في تفكيره، ولديهم طاقة إيجابية ، ويشاركون بشكل فعال، وفي الوقت الذي يمثلون فيه سنداً للقائد، فهم أيضاً منافسون له، لأنهم يتمتعون بكثير من الصفات القيادية.
ماذا يريد الأتْبَاع من القائد؟
ذكر Suda أنه وضع هذا السؤال في إحدى الورش البحثية، التي أقامها، وكانت النتيجة أن الأتْبَاع يريدون من القائد الآتي:
- وضوح الرؤية والأهداف التي يسير اليها القائد، والمنظمة، ووضوح مراحل العمل، ودور كل فرد في المنظمة، وعلى قدر قدرة القائد على توضيح واشباع هذا الجانب، يتحفز الأتْبَاع، ويتفاعلون معه بشكل إيجابي.
- إبداء تغذية راجعة فورية، ودقيقة ، ومستمرة ، لأداء التابع، بما يسهم في تطويره الوظيفي، وتقديم تلك التغذية بطرق منهجية؛ تراعي الجوانب النفسية والأخلاقية .
- تدريبهم على تطوير قدراتهم، وتحسين مهاراتهم، ومساعدتهم على تطوير انتاجيتهم، واكتشاف طاقاتهم.
إقرأ في مدونة حضرمي : كيف تتحفز وتقاوم التثبيط والاحباط؟
ماذا يريد القائد من الأتْبَاع ؟
لن يستطيع القائد ولا المنظمة تحقيق أهدافها، اذا لم يتفاعل الأتْبَاع كما يجب، لذا قام Suda أيضا بورشة بحثية، بعكس السؤال في الفقرة السابقة، وتوجيهه لقادة فرق العمل، ومدراء المشاريع، حول ما يريدونه من الأتْبَاع، وكانت النتيجة أن القادة يريدون من أتباعهم الآتي :
- الإيجابية، والتركيز على النتائج، وعدم الاكثار من الاعذار، وتحمل مسؤولية العمل الموكل اليه بشكل كامل، وأن يكون صاحب تحفيز ذاتي ، والذين يبادرون بالفعل عندما يرون شيئا يجب القيام به، أو مشكلة تنتظر حلاً، ولا ينتظر تدخل قائده.
- أن يتحلى بالتعاون، وأن يدرك أن القائد مسؤول على المنظمة، ككيان متكامل، والأفراد جزء من هذا الكيان، وأن أفعال الفرد مهما كان موقعه؛ تؤثر على المنظمة ككل.
- الدافع الذاتي للعمل، والاستمرار في التطوير، والاطلاع الدائم على مستجدات مجال عمل المنظمة ، وتفاصيل عن ثقافة العملاء والمنافسين، ومعرفة أثر التطورات التكنولوجية على العمل.
- الشغف للتطوير الذاتي، حيث يحب القادة أولئك الأتْبَاع الذين يسعون ذاتياً لتعزيز نموهم، وتطورهم، بدلاً من الاعتماد على القائد، أو المنظمة في ذلك.
وخلاصة الأمر: أن دور الأتْبَاع هام جدا في نجاح المنظمات، ولا يتصور وجود قائد ناجح دون أتباع على قدر عال من الفعالية، والايجابية، وتحمل المسؤولية، ومساندة القائد في مهامه، و صفة الأتْبَاع ليس سلبية، فهي الطريق السليم لإيجاد القادة، وتكوين الصف الثاني المساند للقائد. ولأهمية علم الأتْبَاع؛ فإن على القادة والمدراء دراسته، والتعمق في فهمه، حتى يديروا أتباعهم وأفرادهم بشكل فعال.
لا تنسى الاشتراك في قائمتنا البريدية ليصلك جديدنا