المشهد المتكرر الذي نتفاجأ به جميعا ونعجز عن تفسيره -إلا وفق نظرية المؤامرة- هو أن:
يحدث حدث كبير؛ في بلد ما؛ في لحظة محددة، يبرز بعده بساعات معدودة وربما دقائق مسؤول أمريكي كبير متحدثا عنه؛ وعن رؤية بلاده للحدث؛ وموقفها من أطرافه، هنا تبرز أسئلة ملحة:
• متى اجتمع مقررو السياسة الأمريكية؟
• وكيف استطاعوا تبني قرارا حاسما كهذا في وقت وجيز؟
• ألا تتطلب هذه المواقف قرارات ومداولات طويلة خصوصا مع راس السلطة؟
وبالطبع الإجابة الجاهزة هي : انهم هم من صنع الحدث لهذا كانوا مستعدين له!.
وبالتعمق والفهم لمنهجيات التخطيط المعتمدة لدى تلك الدول وخصوصا أمريكا، نجدها تتبنى منهجيات في التخطيط الاستراتيجي تعطيها هذه المرونة الفائقة، ليس لمجرد صناعة الحدث فحسب بل في التحكم في ردود الأفعال وتوقع مساراتها، وفق منهجيات استشرافية للمستقبل من أهمها نموذج التخطيط بالسيناريو.
محتويات المقال
نشأة التخطيط بالسيناريو
تم استخدام التخطيط بأسلوب السيناريو لأول مرة من قبل القوات الجوية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، ثم قام الباحث في علوم استشراف المستقبل هيرمان كاهن “Herman Kahn” بتطوير مفهوم السيناريو الشامل وأدخل فيه الجوانب الحكومية والعسكرية، وفي عام 1970 قامت شركة شل في أمريكا “Royal Dutch Shell” بتطبيق هذه الإستراتيجية لمواجهة أزمة النفط العالمية التي كان مرتقب حدوثها في عام 1973 أثناء حرب أكتوبر بين مصر والكيان الصهيوني، وعلى إثر ذلك بدأت العديد من الشركات النرويجية في عام 1980 باستخدام منهجية التخطيط بالسيناريو مثل شركات Statoil – DnV – IBM, وفي بداية التسعينات تم وضع منهجية السيناريو الأساسية عندما ظهرت عدد من الأبحاث حوله.
وحاليا تتبنى وزارتا الدفاع والخارجية الأمريكية تحديدا منهجية التخطيط بالسيناريو الذي يعطيهما مرونة فائقة في التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له وفق الرؤية الاستراتيجية الأمريكية. خصوصا منذ العام 1963م حينما برز السؤال الكبير: ماذا لو اندلعت حرب نووية؟.
إقرأ أيضا في مدونتي : ماهو الأثر الإقتصادي لأزمة كورونا على العمل الخيري؟
الحاجة للتخطيط بالسيناريو
في ظل عالم الفوكا VUCA World والتغييرات المتلاحقة التي تفاقمت مع أزمة وباء كورونا يجد أرباب الشركات والمنظمات أن خططهم الاستراتيجية أصبحت ضعيفة الجدوى وغير متناسقة مع الواقع الجديد ومجرياته، وهذا امر طبيعي ذلك أن أغلب منهجيات التخطيط المعتمدة في تلك المنظمات هي منهجيات ذات طبيعة خطّية تقوم على افتراض وجود مسار واحد للأحداث والمتغيرات وهو أمر غير واقعي خصوصا في الأزمات والأوضاع المضطربة.
كما إن التخطيط بالسيناريو يعني إعداد مسودات خطط لكل سيناريو متوقع وهو أمر يتطلب معلومات دقيقة عن المؤثرات الأقوى في سوق العمل وإدراك لمآلاتها و قدرة فائقة في استشراف المستقبل، كل ذلك يعني بذل المزيد من الوقت والجهد والمال لعملية التخطيط وهو الأمر الذي لاتحبذه تلك المنظمات، فشركة شل أنفقت على خطة سيناريوهات اسوق النفط العالمية حتى عام 2050م أكثر من 10 مليون جنيه إسترليني، لكنها كانت الخطة الفريدة التي انقذت الشركة من أزمات مؤلمة وقعت لمنافسيها ونجت هي منها!.
متطلبات التخطيط بالسيناريو
تعتمد منهجية السيناريو في التخطيط الاستراتيجي على توفر عدة عوامل أهمها:
- المعلومات والبيانات: كشأن أي خطة فإن المعلومات ذات أهمية قصوى، وفي التخطيط بالسيناريو يتم نظم المعلومات في مسار زمني لفهم طبيعة العلاقة بين العوامل المؤثرة في الأحداث وتطور الأرقام، للخروج بقاعدة مطردة -إن وجدت- لفهم طبيعة المتغيرات وسيرها.
- التفكير الاستشرافي للمستقبل: وهو العامل الأقوى ومحور نجاح التخطيط بالسيناريو، ويعتمد على القدرة على السبر والتحليل وفهم العلاقات بين مختلف العوامل المؤثرة في التغيير كما أنه لا يغفل عن حدس الخبير.
- التفكير خارج الصندوق: والقدرة الفائقة على استنتاج سيناريوهات ممكنة الحدوث خارج النسق السائد.
- المرونة : وتتمثل في قدرة المنظمة على التحول بسلاسة من سيناريو لآخر في أقل وقت وبأقل كلفة.
- المبادرة الفاعلة : الأخذ بمنهجية التخطيط بالسيناريو لا يعني أن تبقى المنظمة في نطاق ردود الأفعال، وترقيع الفجوات التي تخلفها الأحداث والشركات الكبرى، بل يتجاوز ذلك إلى مرحلة المشاركة في صنع الحدث واستثماره وتغيير مسار سيناريو التغيير إلى المسار الأفضل للمنظمة.
إقرأ أيضا : ما الذي يحرك الناس؟ وكيف نفهم سيكولوجيا الجماهير؟ “غوستاف لوبون” يجيبك
خطوات التخطيط بالسيناريو
1. دراسة الموقف الحالي للمنظمة (تحليل البيئة الداخلية)
وذلك بنفس أسلوب SWOT بالتركيز على نقاط القوة ونقاط الضعف في أمرين:
أ. الموارد البشرية و مدى كفاءتها لمواجهة المتغيرات، ومرونتها للتعامل مع التحديات.
ب. الموارد المالية ومدى توفر السيولة النقدية، وتأمين التدفقات النقدية، وكفاية الاحتياطي النقدي للمنظمة وعملياتها الأساسية.
2. دراسة المتغيرات المحيطة بالمنظمة (تحليل البيئة الخارجية)
وفيها يتم دراسة الفرص والتهديدات ورصد وقياس وتحليل العوامل المؤثرة، مع تحديد العوامل المؤكدة منها وغير المؤكدة والأكثر والأقل خطورة، بذلك يتم حصر ومراقبة التغييرات في هذه العوامل باستمرار، وعدم اغفال التطورات فيها، ويمكن الاستعانة بالنموذج الآتي في هذه الخطوة.
3. وضع السيناريوهات
وهي خطوة تتطلب قدرات عالية في الاستشراف والتحليل وتوقع المآلات واعتبار الحدس الخبير، ولنجاحها لابد من إشراك الطاقم التنفيذي بالمنظمة وأصحاب المصلحة والاستعانة بنظرية التغيير؛ وبعض الخبراء في مجال عمل المنظمة والمتخصصين في دراسة العوامل المؤثرة.
وغالبا تخرج الحصيلة بثلاثة سيناريوهات رئيسية :
أ. سيناريو متفائل : هو أفضل سيناريو متوقع لصالح تحقيق أهداف المنظمة ورؤيتها.
ب. سيناريو متشائم: هو أسوأ سيناريو معاكس لأهداف ورؤية المنظمة.
ت. سيناريو مرجعي: وهو السيناريو الوسطي بين المتفائل والمتشائم، ويتم تسميته وترجيحه واختياره من قبل الجهات المرجعية في مجال عمل المنظمة أو مؤسسات التشريع والقرار في الدولة.
من المهم بعد ذلك تحديد نسبة احتمال وقوع السيناريوهات فمثلا يمكن أن تعطي السيناريو المرجعي 40%، وتعطي المتفائل 35% ،والمتشائم 25%، وكما لاحظت يجب ان يكون مجموع النسب 100%.
ثم بعد ذلك تضع السيناريوهات الفرعية وفرعية عن الفرعية إن أمكن، حتى تصل لشكل كالتالي:
4. وضع تصور تخيلي لوضع المنظمة في كل سيناريو
سواء كان سيناريو رئيسي أو فرعي، مع عدم إغفال تأثير العوامل المؤثرة التي تم رصدها، وبالإمكان وضع تلك التفاصيل في شكل جدول كما يلي:
5. وضع خطة لكل سيناريو متوقع
ابتداءً بالسيناريوهات الأكثر توقعا، على أساس تقليل الأثر السلبي وتعزيز الأثر الإيجابي. ومن خلال تحليل وضع المنظمة في كل سيناريو سنلاحظ بروز نوعين من الظروف والعوامل :
أ. عوامل يمكن التحكم بها.
ب. عوامل لا يمكن التحكم بها.
وكلما استطاعت المنظمة استثمار العوامل المتحكم بها بشكل فعال اثر ذلك بشكل إيجابي على العوامل غير المتحكم بها او على تأثيرها على المنظمة على اقل تقدير.
6. جلسات التقييم والرصد والمراقبة الدورية
ليحتفظ هذا النمط من التخطيط بفاعليته يحتاج لجلسات تقييم ومراقبة دورية مع رصد للعوامل المؤثرة وتطورها أو انحسارها. ويمكن بناء على هذه الجلسات اتخاذ قرارات تصحيحية أو تقديم مبادرات تلائم التطورات الجديدة.
قد تبدو لك عزيزي القارئ هذه الخطوات مرهقة وتأخذ مزيدا من الوقت والجهد، لكنها من انجح الأساليب التخطيطية التي أثبتت نجاعتها وملائمته لحالات الاضطراب وعدم التوقع، كما إن منظمتك مع مرور الوقت والممارسة لهذا الأسلوب ستكتسب المهارة فيه، والمرونة في التعامل معه، مما يعطيها ميزة السبق بين المنافسين.
الجميل في منهجية التخطيط بالسيناريو أن يمكن تطويعها لعمل سيناريوها خطط المنظمات بل والأفراد ايضا، الأهم ان تستوعب الفكرة وتمنح نفسك وفريق عملك الوقت الكافي للتحضير والاعداد، ستبهر النتيجة بكل تأكيد.
كذك من الأهمية بمكان الاشارة الىأن اتباعنا لنهج التخطيط بالسيناريو لا يعني إلغاء خطط المؤسسة السابقة، انما يعني اعادة رسم الطريق الموصل للرؤية، فقد تتناسب خطتنا الحالية مع بعض السيناريوهات المفترضة اذا اجرينا عليها تعديلا ما.
تم ارسال نسخة PDF حصريا للمشتركين في قائمتنا البريدية من كل النماذج الموجودة في المقال، يمكنك تسجل بريدك الالكتروني في قائمتنا الآن والحصول على نسخة من كتاب قرار بلا ندم والاستفادة من اي ملفات خاصة نرسلها لمشتركينا في المستقبل.
والآن هل تفكر بعمل خطة وفقه منهجية السيناريو لمنظمتك نحن جاهزون لمساعدتك في ذلك اتصل بنا عبر هذه الرابط وسنكون معا إن شاء الله.
أخير لاتتردد بالتعليق على المقال او طرح سؤالك أدناه.. ولا تنسى الاعجاب بالمقال لنستمر في طرح المزيد من هذه المقالات.
انا باحث في تفكير بسيناريو ارجوا من اخواني المساعد في هذا المجال وهذا المقال جد قيم استفدت منه كثيرا
شكرا لتعليقكم استاذ بشير.. نحن بالخدمة والافادة هدفنا
سلام الاستاذ احمد هل تستطيع مساعدة في مراجع حول هذا الموضوع
انا باحث في تفكير بسيناريو ارجوا من اخواني المساعد في هذا المجال وهذا المقال جد قيم استفدت منه كثيرا