اعتاد الناس إذا مات فيهم ذو شأن أو ذو علم وعقل أن يعقدوا الجلسات للحديث عن مناقبه وفضائله وعلمه وخبرته وينظمون القصائد الطوال في ندبه . وكل ذلك لا نفع فيه للجيل إلا التعزية والتسلية عنهم .
لكن لماذا لا نفكر بطريقة أخرى أكثر إيجابية وذلك بأن نفتش في واقعنا ومحيطنا عن ذوي العلم والخبرة والرأي ونضع البرامج العملية التي تخرج خبرات هؤلاء للجيل والشباب ليستفيدوا منها.
كم من الخبرات والعلوم والمهارات تكاد تنقرض أو يقل منتسبوها؟! ونحن نعلم ذلك ولا نحرك ساكناً؟
وكم من الشخصيات العريقة والتي صقلت السنون عقولها وصنعت التجارب خبراتها هذه الشخصيات لا يعيرها المجتمع بالاً، وقد حز في نفسي كلمة سمعتها من أحدهم قالها عن معلم قدير متقاعد حيث همزه بأن ــ رجله في القبر، و انه قد حجز موقعاً لقبره في المقبرة ــ كيف تتميز وتنهض أمة تنظر هذه النظرة لذوي الخبرة فيها؟!
إننا يجب أن ننظر إلى المتقاعدين وكبار السن فينا أنهم مستودعات للخبرة وكنوز من التجارب، نربي الأجيال على احترامهم وتقديرهم والحرص على مجالستهم والأخذ عنهم، وحتى نخرج من دائرة العمل الفردي لماذا لا نضع البرامج والخطط سواء للإدارات الرسمية والهيئات الأهلية والشعبية الكفيلة بأن تخرج هذه التجارب في قالب جاهز للتنفيذ أو على الأقل توثيق هذه التجارب والخبرات وحفظها ولو فهمنا ذلك حق الفهم لأدركنا أنها تستحق هذا الجهد وأكثر لأنها عصارة أزمات وصراعات ونصر وهزيمة ونجاح وفشل يتعاقبان وكثير منها دفع ثمنه من صحته وجسمه.. أليس من الغبن أن تهدر هذه الثروة أو ننتظر حتى يقال مات!! فنعض أصابع الندم وندرك في وقت متأخر كم من الخبرات والتجارب دفنت في التراب ولم نستفد منها؟
إنها دعوة هنا أن نقوم بجرد عام للخبرات والعقول والمهارات التي يمتلكها مجتمعنا وهي خطوة أهم من جرد الأموال والأصول المادية، وبالتأكيد ستفاجئنا نتائج الجرد بأرقام وحقائق أقل ما توصف أنها مذهلة بكل المقاييس