حينما يفكر المرء بالاستثمار؛ وتخطر على باله فكرة المشروع؛ يبحث عمن يساعده لإجراء دراسة الجدوى، ويعاني الكثيرون هنا من صعوبة الحصول على المعلومة الجيدة والصحيحة، وهناك تحفظ كبير على الكثير من المعلومات من قبل “أساطين السوق”؛ وحيتانه الكبيرة، التي لا تريد أي كائن أن يقترب من حصتها السوقية. وكثير ما يلاحظ أن هناك تثبيطا له عن خوض غمار الاستثمار من أولئك الموجودين حقا في السوق أو من يمكن تسميتهم بحيتان المحيط.
محتويات المقال
إستراتيجية المحيط الأزرق
ظهرت فكرة استراتيجية المحيط الأزرق عبر العالمين البروفسور دبليو شان كي (W. Chan Kim)، وزميلته البروفسور رينيه موبورن (Renee Mauborgne) عام 2005م عندما نشرا كتابهما “blue ocean strategy” وتصدر مبيعات الكتب حيث بيعت منه اكثر من ثلاثة ملايين ونص المليون نسخة وترجم إلى اللغة العربية باسم ” استراتيجية المحيط الأزرق” هذا الكتاب جاء نتيجة لدراسة شملت عدد من الشركات الناجحة خلال مائة عام .
إقرأ أيضا : القيادة في عالم التعقيد والغموض VUCA Prime
ابتعد عن المحيط الأحمر
في عالم الأعمال يوجد محيطان:
1.محيط احمر
وهو منطقة الصراع على الحصص السوقية بين الحيتان الكبيرة، وقد تحول لون مائه إلى اللون الأحمر بسبب سيلان الدماء فيه بكثرة نتيجة للصراع بين الحيتان الكبيرة والمنافسة على الاستحواذ على اكبر قدر من كعكة السوق.
من هنا فإن دخول المستجدين لهذا السوق يتطلب قدرة عالية على إدارة الصراع و وخوض المنافسة لانتزاع جزء من كعكة السوق من بين أنياب الحيتان الكبيرة.
2.المحيط الأزرق
وهي المنطقة من المحيط ذات الماء النقي، حيث لا صراع ولا منافسة. وهي تمثل الأسواق الجديدة التي يمكن أن تنشئها عبر تقديم فكرة منتج جديد او خدمة جديدة لم يسبقك إليها أحد.
القيمة المبتكرة تجعلك سيد المحيط
العمل في المحيط الأزرق عمل مثمر واستراتيجي ذلك أنه يعتمد على إيجاد ما يسمى “القيمة المبتكرة” بمعنى إيجاد الحاجة لمنتج او خدمة ما لدى العميل وتغطيتها عبر منظمتك او شركتك. لنضرب مثلا: لم يكن الناس يشعرون بالحاجة لاستخدام الجوال عبراللمس فقط!. بل كانت نوكيا سيدة الموقع عبر جوالاتها ذات الازرار؛ او عبر اللمس لكن بقلم خاص، حتى خرجت “شركة أبل” بأول جوال يعتمد على اللمس. بهذا فتحت “أبل” محيطها الأزرق وأصبح هي الحوت الأكبر فيه، وكل من سيأتي بعدها كان لزاما عليه ان يحترم سيد المحيط الجديد، ويحتاج لجهد مضاعف ليجاريه أولا قبل أن ينافسه!.
إقرأ أيضا: أكبر خمسة تحديات تواجه المدير الجديد
كيف يمكن إيجاد محيطنا الأزرق؟
إيجاد المحيط الأزرق يتطلب قدرا عاليا من الابتكار والمرونة والقدرة على التنبؤ باحتياجات السوق في المستقبل. وقد سئل بيل جراهام :“كيف يمكننا اختيار أفكار لمشاريع جديدة؟”، رد قائلاً: “تخيل نفسك تعيش في المستقبل، ثم قم ببناء ما هو ناقص”.
أبعاد المحيط الأزرق
تتكون استراتيجية المحيط الأزرق من أربعة أبعاد رئيسية هي:
- الاستبعاد
حدد الميزات التي يشتد عليها التنافس في سوقك الحالي، وتخلص منها تماما، بالطبع لاتحاول ادخال تحسينات فذلك لن يجدي، فكر في ابعد من ذلك واستهدف حاجات جديدة للعملاء لم يفكر فيها احد قبلك. - التقليص
بالدراسة العميقة لمنتجك ستجد ان هناك عددا من المميزات التي تستهلك وقتا ومالا، وتدخل حيز المميزات التي يتم التنافس الكبير بين الحيتان في المحيط الأحمر، بينما التحليل العميق للمنتج؛ يظهر أنه يمكن ان نقلص منها دون أن يتأثر المنتج؛ بل على العكس قد يخلق سوقا ازرقا جديدا، إذ التقليص قد يؤدي لتقليل الحجم، أو الوزن أو الوقت، وهو ما قد يشكل فارقا كبيرا لدى كثير من العملاء. - الإضافة
ما الإضافة التي تجعل منتجك يسمو بعيدا عن حلبة المنافسة؟.
ابحث عن الإضافة التي تجعل منتجك متميزا بشكل واضح عن “دهامير” المحيط الأزرق، من خلال تحليل حاجات عملائك و كذلك تحليل منتجك بتجرد. - الابتكار
ما الجديد المبتكر تماما الذي سنعمل على ايجاده؟ وهنا يتم التركيز على فكرة القيمة المبتكرة وليست القيمة المضافة، والتي تصل إلى تجاوز مرحلة تلبية حاجات العملاء إلى مرحلة إيجاد حاجة للعميل ثم العمل على تلبيتها بمنتجك أو خدمتك.
وقد ذكر مؤلفا كتاب “استراتيجية المحيط الأزرق” عددا من الأمثلة والتحليلات حول تطبيقات الأبعاد الأربعة، يمكن الرجوع لها لمن أراد التوسع.
المحيط الأزرق في العمل الخيري
في القطاع الخيري والتنموي هناك محيط أحمر تضخ فيه التبرعات والمنح الدولي وتشجعه المنظمات الدولية المانحة، وتتنافس فيه المئات بل والآلاف من المنظمات المحلية للفوز بحصة من ذلك الدعم. وهناك محيطات زرقاء لم تستكشف بعد، أو استكشفت ولاتزال تسبح فيها اسماك صغيرة لم يصلوا بعد لمستوى الصراع والمنافسة كون المحيط الجديد اكبر منهم جميعا.
غير أن ما يثير “الاستغراب” حقا، أنه رغم الصراع المحتدم في المحيط الأحمر في اطار العمل الخيري والتنموي إلا أن الأثر المستدام غالبا ما ينبع من تلك المحيطات الزرقاء وروادها.
إقرأ أيضا :كتاب التنمية الأسئلة الكبرى عرض وتلخيص
كيف يمكن للمنظمات التنموية خوض المحيط الأزرق؟
للخروج من صراعات المحيط الأحمر تحتاج المنظمات التنموية تحديدا إلى وصفة ثلاثية هي :
- التفكير في المحيط الأزرق المناسب.
- تطبيق الابتكار الاجتماعي.
- بناء التدخلات بمنهجية التفكير التصميمي.
(اعرف ان بعض هذه المصطلحات قد تبدو غريبة للبعض، بامكانك النقر عليها لمعرفة المزيد، ولعل الله ييسر لي إعداد مقال لكل منها).
المحيط الأزرق في القرارات الشخصية
من الجميل أن استراتيجية المحيط الأزرق يمكن تطبيقها على صعيد الاختيارات الشخصية مثل اختيار التخصص الجامعي مثلا، فلا زالت بعض التخصصات – خصوصا في عالمنا العربي- تحتاج لاستكشاف كونها محيطا أزرقا لم يخضه أحد بعد بينما حاجات المستقبل له واضحة جدا.
وأعجب ما رأيت شبابا ملكوا مهن وتخصصات المستقبل “محيط ازرق” غير أنهم تعاملوا معها بمنطق المحيط الأحمر للأسف “والذي ما يعرف الصقر يشويه 🙂 “.
ختاما لا ازعم إطلاقا أن خوض المحيط الأزرق سهل، إذ لوكان كذلك لخاضه أي أحد، بل هو صعب و يحتاج لعمل طويل وعميق مع مزيج من التفكير والتحليل والتقييم والابتكار محاطة بقدر هائل من المرونة واستشراف مستقبل حاجات البشر.