اللَّهمَّ انصر إخواننا في فلسطين وفرّج همهم وأكشف كربتهم وأخذل عدوّهم

قراءة في كتاب

قراءة في كتاب رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر للمسيري

Rating: 4.5/5. From 2 votes.
Please wait...

عندما كنت في أمريكا، كنا-وعائلتي-  نساعد صديقا لنا في نقل أثاثه لسكن جديد، وبلغ بنا الجهد، فاحتاجت أختي إلى كوب ماء تروي به ظمأها؛ فلم تجد في شقة صديقنا، فطرقت باب أحد الجيران، وطلبت منهم كوبًا من الماء، فردت عليها ربة المنزل: ولماذا نعطيك كوبًا من الماء؟ ?‍♂️في سؤال استنكاري عن الدافع أو المقابل؛ الذي يجعلهم يعطونها كوبًا من الماء!

بين العلاقات التعاقدية والتراحمية

بذلك الموقف يشرح لنا د. عبد الوهاب المسيري يرحمه الله ما أسماه “العلاقة التعاقدية”؛ السائدة في المجتمع الأمريكي، والتي تقوم على “المقابل”، فكل شيء بثمنه أو بمقابل (ولا شيء لوجه الله) بتعبيرنا.

يضع المسيري ذلك في مقابل “العلاقات التراحمية”، التي تسود المجتمعات العربية والإسلامية، والتي تستند لطلب الأجر والثواب؛ والمنظور الإنساني الصرف.

السير الذاتية كنز التجارب

لكتب السير الذاتية نكهة خاصة، وإضافة نوعية وإثراء لتجربتك الحياتية الخاصة، فأنت تتعلم من مواقف حياتية حقيقية، وتأخذ عصارة التجارب المختلفة، التي دفع أصحابها أثمانها دمًا ودموعًا وعرقًا لسنوات، أو ربما لعقود حتى يخلصوا إلى تلك النتائج التي سطروها لنا، ونشروها بمسمى “سيرة ذاتية”، حتى وإن كنت تختلف فكريًا وعقائديًا مع كاتبها، ستجد ما يفيدك عظيم الإفادة بين ثنايا مواقفه وسيرة حياته، فما بالك لوكان هذا الكاتب بمكانة الدكتور عبد الوهاب المسيري يرحمه الله.

اقرأ أيضا : 45 فائدة منتقاه من كتاب (إعادة تصميم العمل) RE WORK

“المسيري” في سطور

ولد الدكتور عبد الوهاب المسيري في مصر بمدينة دمنهور عام 1938م، ودرس بجامعة الإسكندرية – كلية الآداب في قسم اللغة الإنجليزية، وبعد التخرج تم تعيينه معيدًا، كما حصل على الماجستير عام 1964م من  جامعة كولومبيا؛ في الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم الدكتوراه من جامعة رتجرز عام 1969م.

عن كتاب رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر

صدر الكتاب عن دار الشروق عام 2008م، ويقع في 762 صفحة بخط صغير الحجم، ولو كُتب بالحجم الاعتيادي لخطوط الكتب؛ لن يقل عن 950 صفحة، لذا ضع في اعتبارك إذا قررت قراءته أنك ستقرأ ألف صفحة أو تزيد، خصوصًا إذا كنت جديدًا على المفاهيم والمصطلحات الفلسفية.

كذلك من إشكاليات الكتاب التي طرحها بعض الزملاء، أن الكاتب يسرد عدة صفحات نصية بعنوان فرعي واحد، مما يسبب بعض التوهان بين الأفكار الرئيسية والفرعية.

قراءة مقتضبة في الكتاب

أرى من الصعب عرض أفكار بمثل هذا الزخم المتاح في كتابات الدكتور المسيري في سطور مقتضبة، فالكتاب أصنفه من الكتب العميقة، في طرح الأفكار ومقارنتها، والتحليل العميق للرؤى والفلسفات، وسبر أسبابها ودوافعها.

قسّم المسيري كتابه إلى قسمين رئيسيين:

القسم الأول: التكوين

ويضم أربعة فصول هي:

الفصل الأول: البذور الأولى

و فيه تحدث المسيري عن نشأته في مدينة دمنهور لأسرة برجوازية، وهنا يسطر المسيري تأريخا مقتضبًا لبعض مظاهر الحياة في المجتمع المصري آنذاك، من خلال نقل بعض الصور للمجتمع الدمنهوري، الذي أطلق عليه المجتمع التراحمي، حيث تعلو العلاقات الإنسانية بين الأفراد علي المصالح والمكاسب المادية، وذلك خلافًا لما وجده في المجتمع الأمريكي، كما يسطر المسيري أيضًا صورًا لنموذج الأسرة المصرية البرجوازية ونمط عيشها، وعرج على ذكر نماذج لصور التسامح والتعايش بين أفراد المجتمع؛ من مختلف الطبقات الاجتماعية والديانات.

كما ذكر شيئا عن الواقع السياسي والمظاهرات؛ التي كانت تشهدها مصر في تلك الحقبة، وحالات الاستقطاب والأفكار الثورية السائدة.

اقرأ أيضا: قراءة في كتاب (جبلنا الجليدي يذوب) (Our Iceberg is Melting)

أما الفصل الثاني: بعنوان بدايات الهوية

 ويتكلم فيه عن انتقاله إلى الإسكندرية للالتحاق بالدراسة الجامعية بجامعة الإسكندرية، ويسرد توجهاته وتأثره بالماركسية في تلك الحقبة، والنشاط الطلابي والصراع بين التيارات الطلابية في أروقة الجامعة.

والفصل الثالث بعنوان في الولايات المتحدة

 ويتحدث عن ابتعاثه للولايات المتحدة، وبعض مظهر الحياة الأكاديمية هناك، ويذكر الشخصيات التي تعرف إليها، وتوجهاتهم الفكرية. كما يذكر السجالات الفلسفية بين أساطين الفكر وأفكارهم المختلفة.

الفصل الرابع أطلق عليه من بساطة المادية إلى رحابة الإنسانية والإيمان

 ويرصد فيه التحولات الفكرية والفلسفية له منذ أن كان في أمريكا.

وأعتقد أن القسم الأول سهل الفهم والاستيعاب لمن لا يفهم المصطلحات الفلسفية وربما يكفي لمن يريد فقط التعرف على شخصية د. المسيري.

القسم الثاني: عالم الفكر

هذا الجزء أحد الأجزاء التي تسرد عدد من المفاهيم الفلسفية بطرح تحليلي مقارن، شخصيًا احتجت لقراءة هذا القسم ثلاث مرات، لأستوعب بعض أفكاره كما استعنت بإيضاحات مختلفة للمصطلحات الفلسفية، التي كثيرا ما يتحدث الكاتب عنها دون التعريج على توضيح ولو مختصر لها.

وتكوّن هذا القسم من خمسة فصول هي:

الفصل الأول: النماذج الإدراكية والتحليلية

 وفيه يرصد تحوله الفكري وردود أفعال الأصدقاء، وكيف ضمرت علاقاته مع الطرفين الطرفين الطرف المادي والطرف الإنساني. مستعرضًا النماذج الإدراكية والتحليلية، مع سرد جميل للأمثلة. كما يذكر في هذا الفصل شيئا عن حواره مع نعوم تشومسكي وتأثره ببعض أفكاره “التوليدية”.

اقرأ أيضا : خمسة أفكار لاستعادة التركيز عندما تصاب بالاكتئاب أو الحزن الموسمي

الفصل الثاني بعنوان بعض الثمرات الأولى

مبتدئا الحديث عن الرأسمالية وفكرة العودة للطبيعة، حيث يرى أن النمط الذي تقوم عليه الرأسمالية هو نمط التمركز حول الذات؛ الذي يؤدي إلى التمركز حول الموضوع، ويرى أنه النمط الأساسي لكافة الفلسفات المادية.

وفي هذا الفصل يوضح كيف تبلورت لديه فكرة رسالته للدكتوراه عام 1967م في إطار العنوان “الأعمال النقدية لوليام وردزورث وولت ويتمان: دراسة في الوجدان التاريخي والوجدان المعادي للتاريخي” والتي تطرقت لمفهومي” الموضوعية والذاتية” في الأطروحات الفكرية والأدبية وتحمس المشرف على رسالته البروف “وايمر” لفكرة الرسالة.

كما عرض الكاتب في هذا الفصل ملخصًا لرسالته  تلك، باعتبارها أول أعماله الفكرية المتكاملة حسب تعبيره.

الفصل الثالث: الصهيونية

 وفيه يوضح الكاتب علاقته بالسياسة وأنها  تمثل اهتمامًا معرفيًا فلسفيًا، وأن اهتمامه بالأحداث السياسية اليومية ظل اهتمامًا ثانويًا وهامشيًا، متجاهلا الصحف اليومية و ما أسماه “الهستيريا الجماعية”.

ويتحدث الكاتب في هذا الفصل عن علاقته بالصهيونية، وبعض مواقفه مع شخصيات من اليهود والصهاينة. ويعتبر الكاتب هذا الفصل مقدمة لحديثه عن الموسوعة (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية الموجزة) أشهر كتب المسيري يرحمه الله.

الفصل الرابع الموسوعة – تاريخها

وكما هو واضح خصص المسيري هذا الفصل للحديث عن اهم كتبه؛ وهي الموسوعة، وكيف بدأ الكتابة فيها، وأنه لا يرى تحديدًا زمنيًا لبدايته في موضوعات الموسوعة، والتي ربما تمتد إلى العام 1965م حينما بدأ نشر أولى دراساته عن الصهيونية وأنه لا يستطيع الجزم بذلك لكنه يقسّم العمل في الموسوعة لثلاثة مراحل :

  1. مرحلة دراسته للصهيونية.
  2. مرحلة العمل الموسوعي
  3. مرحلة كتابة الموسوعة ذاتها

والتي انتهت بتسليمه محتويات الموسوعة في يناير 1998م، تبعها ما يقرب من العام في المراجعة والتنسيق قبل الطبع.

ما لفت نظري أنه يشدد على النمط التحليلي للموسوعة وإزالة فكرة كونها سرد معلوماتي جامد.

كما تحدث الكاتب عن فقدانه لكتبه ومراجعه وأوراقه، والنسخة الوحيدة من الموسوعة أثناء الاجتياح العراقي للكويت، وكيف غامر بالعودة للكويت والبقاء فيها ثلاثة أسابيع، حمل بعدها موسوعته ومراجعه في قرابة ثلاثين صندوقًا من الأوراق، حملّها سيارة ضخمة “تريلا”، متجها بها إلى بغداد، ثم إلى القاهرة، ومن فرط فرحته بأوراقه نسي سيارته بالكويت ?‍♂️.

الفصل الخامس الموسوعة الموضوعات الأساسية

استعرض الكاتب هنا أهم موضوعات الموسوعة، وهذا الفصل جيد لمن أراد أن يعرف المزيد عن الموسوعة ومحتوياتها.

اقرأ أيضا: الطماطم طريقك نحو التركيز والإنتاجية!

الفصل السادس في عالم الأدب والفن

يتحدث الكاتب عن اهتمامه بالفن والأدب، شاكيا الوضع الأدبي المتخلف بشكل عام في كلية البنات التي تعين فيها محاضرًا بعد عودته.

ويسرد شيئا من رؤاه في الأدب عمومًا و الإنجليزي خصوصا. كما تحدث عن أصدقائه ومعارفه من الأدباء رغم قلتهم، وعن اهتمامه بقصص الأطفال.

واختتم الكتاب بتأملات  في حديثه المفضل عن الذات والموضوع.

1 | 2 | 3

Rating: 4.5/5. From 2 votes.
Please wait...

أحمد باحصين

استشاري تخطيط استراتيجي اخصائي تطوير مؤسسي متخصص في التدريب القيادي والاداري وتقديم وإعداد برامج الموهوبين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى