خواطر

الاضطهاد الطفولي

No votes yet.
Please wait...

دخل البيت فوجد ابنته ذات الثلاث سنوات تعبث بالماء والطين وقد اتسخت ملابسها واتسخ ما تحت قدميها الصغيرتين من الفرش ، فامتلأ غضباً وهوى بكفه الغليظة على وجه الصغيرة الغض ثم لم تهدأ ثورته فاحكم قبضته على يدي الصغيرة وجعل يضربها بكل قوته لم تستطع صرخات الصغيرة التي ملأت جوانب البيت وسمعها حتى الجيران لم تشفع هذه الصرخات للصغيرة  أمام هذا الغضب الجارف من هذا الأب الذي ختم غضبته بعدة ركلات بقدمه الصلبة على ظهرها وجسمها الملقي على الأرض ثم

اتبعها بسيل من ألون السباب والشتائم لها ولأمها .. طوال تلك اللحظات لم تستطع أمها أن تتدخل لأنها تعرف ما سيحل بها وآثرت كظم زفراتها وان لم تستطع إخفاء دمعاتها الغزيرة . لم يكن من حق الأم أن تتدخل – في عرف صاحبنا – لأن ما يقوم به هو تأديب صغيرته لحبه لها وحرصه عليها !. أما هو فقد رمى بجسمه على فراشه ليرتاح من جهد العمل وجهد «التربية لصغيرته» لملمت الأم ابنتها وحاولت تهدئتها لكن الصغيرة مستمرة في البكاء !ّ لم تكن هذه المرة الأولى التي يضربها فيها ولكنها أقساها .. لم تكن الصغيرة تقوى على الجلوس أو القيام ، وكلما حاولت أمها أن تجلسها يزداد صراخها ، فحملتها كما هي ،ونظفت يديها وملابسها من بقايا الطين . ووضعتها برفق على الفراش لم تذق الأم غمضا تلك الليلة بسبب صراخ ابنتها، أما هو فلم يكن يعبأ بشيء ويقول عبارة واحدة يكررها (هذه نتيجة الدلع ).

وفي الصباح وبعد ادائه لصلاة الفجر كانت ثورته قد هدأت بالقدر الذي جعله يستمع إلى زوجته وهي تقول له إن ابنتنا قد أصابها شيء جراء ذلك الضرب المبرح وأنها لم تذق غمضا طوال الليل .. وألحت عليها أن يستجيب لها ويأخذ البنت للمستشفى ، لم يستجيب لمطلبها في البداية واتجه صوب الصغير التي لم تعد تقوى على البكاء لكن أنينها لم ينقطع حاولها أن تجلس أو تقف على قدميها لم تستطع وكلما حاول ذلك علا صراخها بصوت منهار !! .. يا إلهي ماذا فعلت بها.. تمتم الأب بهذه الكلمات. وأدرك أن الأمر بالفعل يستحق الذهاب للمستشفى وبأسرع وقت .  ارتدى ملابسه وحملت الأم ابنتها و توجها إلى المستشفى .

نزلت نتيجة الفحص كالصاعقة على أذنيه.. ابنتك تعاني من إصابة خطره في العمود الفقري وتحتاج لعلاج مكثف وإذا أهملت فقد تصاب بالشلل !!. هكذا قال له الطبيب .

لم تحمله قدماه بعد سماع تقرير الطبيب وهوى على الأرض . لم أكن أتصور أن يصل الأمر إلى هذا الحد ، مسكينة أنت ياصغيرتي، ما كان عليك أن تدفعي ضريبة مشاكلي في العمل ! . اقتربت منه زوجته وحاولت أن تفهم منه شيئا ، فأخبرها انه أتى تلك الليلة بعد خلاف حاد مع مديره في العمل انتهى بفصله من عمله ، وتحت هذا التأثير كان ما كان مع ابنته.

إن عليه الآن أن يتابع علاج ابنتها في أسرع وقت . ولكن من أين تكاليف العلاج وقد فصل من عمله ؟!.

دعوني أسدل الستار أعزائي القراء عند هذا  المشهد . فكثيرا ما نتصرف مع أبنائنا تصرفا نندم عليه ، ربما نقول – جدلا- إننا نعذر ذلك الأب فقد كانت صدمة فصله من عمله أمر كبير لم يطقه فملأ نفسه غضبا، ولم يجد من يفرغ فيه شحنة غضبه إلا تلك الصغيرة المسكينة. ولكن من يدفع ثمن تلك الغضبة ونتائجها أليس هو وعائلته؟!.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كرر نصيحته لذلك الرجل بـ ( لاتغضب!). ثم إن ضرب الأطفال في هذا السن نتائجه السلبية كثيرة جدا فبالإضافة للآثار الصحية فهناك آثار نفسية تعيش معهم مدى الحياة فقد ينشأ ذلك الطفل وفي ذهنه صور للضرب المبرح الذي تعرض له في صغره فيكره هذا المجتمع القاسي القلب الذي لم يرحم صغره.. والإحصائيات والدراسات النفسية تؤكد أن نسبة كبيرة من المجرمين قد تعرضوا في صغرهم للضرب المبرح  والاضطهاد من قبل الوالدين أو احد أفراد الأسرة. أو العكس ينشأ هذا الطفل أو الطفلة مصابا بمرض (الرهاب الاجتماعي) فيكره الناس ولا يلعب مع احد وليس لديه أصدقاء يبكي لأبسط سبب.

لذا أتمنى أن تكون تربيتنا متوازنة وفق المنهج النبوي في التربية فالرسول عليه لصلاة والسلام لم يذكر ضرب الطفل على شيء إلا على ترك الصلاة بشرط أن يبلغ العاشرة أن يضرب ضربا مبرحا مع انه عليه الصلاة والسلام ما ضرب أحدا بيده قط ليبين لنا أن ضرب الصغار ليس قاعدة ثابتة وإنما حالة استثنائية.

No votes yet.
Please wait...

أحمد باحصين

استشاري تخطيط استراتيجي اخصائي تطوير مؤسسي متخصص في التدريب القيادي والاداري وتقديم وإعداد برامج الموهوبين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى