جلس المريض بين يدي الطبيب النفسي، الذي يصغى لشكواه باهتمام و خلاصتها أنه يشكون من الاكتئاب الحاد، وأنه فقد أي رغبة في العيش ويفكر في الانتحار!
فكانت نصيحة الطبيب النفسي لذلك المريض أن يذهب إلى السيرك، ويحضر أحد عروض المهرج “جروك”، الذي سيجعله يضحك من أعماق قلبه وينسى اكتئابه. وختم نصيحته قائلا: أنا متأكد أنك بعد حضور عرض “جروك” ستشعر بالسعادة.
وبينما يهمُ المريض بمغادرة الغرفة سأله الطبيب: اعذرني، ما اسمك؟
فيرد عليه المريض بوجه تملأه المرارة والحزن: أنا “جروك”!!
محتويات المقال
هل يصاب الأنبياء بضيق الصدر والحزن؟
الحزن وضيق الصدر من المشاعر الإنسانية التي تصيب جميع البشر مهما كانت منزلتهم وموقعهم الديني والدنيوي، حتى الأنبياء عليهم السلام يصابون بشيء من ذلك، قال تعالى “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ” سورة النحل (127)
وقال تعالى “قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ” سورة الأنعام (33).
وقال تعالى “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ” سورة الحجر (97).
وقال صلى الله عليه وسلم وعيناه تذرفان لفراق ولده إبراهيم: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) البخاري (1303).
فهذه المشاعر أحد مظاهر الكمال البشري، وأبرز سمات النفس البشرية السوية. غير أن الإفراط في الحزن يتطور إلى القلق ثم الاكتئاب وهنا يدخل دائرة أخرى، دائرة المرض والخروج عن حالة الاستقرار النفسي.
حزن وهمٌّ بلا سبب!
لا شك أن هذه الحالات النفسية وتطورها من طور لآخر ينبع من أسباب معينة، أو مشكلات تواجه الإنسان ربما في عمله ومحيطه. لهذا حينما نشعر بتلك الحالات من الضيق والهم والقلق نفتش في الأسباب، لعلنا نتوصل لحل لها أو التخفيف من حدتها، وللأسف ليس في كل مرة نهتدي للأسباب الحقيقية لحزننا أو قلقنا، فنشعر أن قلقنا لا سبب له! وهذا بحد ذاته أمر مزعج للغاية ، فهل أصابك شيء من هذا عزيزي القارئ؟
في الحقيقة أن الحزن الذي لا يُعرف سببه من الصعوبة نسبته دائما لحالة ما أو مؤثر واحد، فهناك الذنوب والمعاصي، وهناك بعض الأمراض العضوية التي تنعكس على نفسية المرء؛ فيصيبه الحزن والاكتئاب.
ومع بداية الخريف أو بداية الشتاء يقل منسوب أشعة الشمس الذي اعتاده المرء في الصيف، وحسب الأطباء فإن هذا سبب رئيس لشعور الكثير منا وخصوصا النساء بنوع من الاكتئاب والخمول، دون معرفة الأسباب.
إقرأ أيضا: المفاتيح السبعة للتسويق الإلكتروني في المنظمات الخيرية
الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD)
نسمع بكثرة الشكوى من الخمول والحزن وربما الاكتئاب في مثل هذه الأيام، وعدم القدرة على التركيز خصوصا في الأعمال الذهنية.
شاع تسمية هذه الحالة بالاكتئاب الموسمي، ويطلق عليها المتخصصون مسمى الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD)، ويبدأ غالبًا مع بداية فصل الخريف، وقد يستمر في أسوأ حالاته لدى البعض حتى نهاية فصل الشتاء!
مظاهر وأعراض الإصابة بالحزن الموسمي
ومن أبرز مظاهر وأعراض هذه الاضطرابات العاطفية الموسمية ما يلي:
- الشعور بالاكتئاب أغلب أوقات اليوم. في بعض الأحيان.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كنت تستمتع بها سابقًا.
- انخفاض مستوى النشاط والميل للخمول.
- وجود اضطرابات تتعلق بالنوم.
- تغيرات في الشهية أو الوزن.
- الإحساس بالخمول أو الاهتياج.
- صعوبة التركيز.
- الإحساس باليأس أو فقدان الأمل أو الذنب.
- تردُّد أفكار على الذهن حول الموت أو الانتحار.
إقرأ أيضا : كيف تكون متحفزاً وتقاوم التثبيط والإحباط؟
حافظ على إنتاجيتك وتركيزك رغم الحزن
ما يهمنا هنا هو تأثير هذه الحالة على أعمالنا وأدائنا، فحالة الخمول وضعف التركيز تؤثر كثيرًا على إنتاجيتنا وقدرتنا على الإنجاز، لذا من الأهمية بمكان الاهتمام بتغيير النمط النفسي؛ حتى لا يستفحل، ويصعب الاستحواذ عليه، ويخرج عن نطاق السيطرة.
الأفكار الخمسة لاستعادة التركيز والتخلص من الحزن الموسمي
هنا خمسة أفكار، لمن يعاني من هذه الاضطرابات، يمكن أن تقلل من تأثيرها على عملك وإنتاجيتك إلى حد كبير، وتستعيد تركيزك:
- استعن بالدعاء وذكر الله تعالى فهو -سبحانه- أعلم بخبايا النفس البشرية.
- التعرض لأشعة الشمس؛ والهواء الطلق ما أمكن.
- التقليل من الوحدة والجلوس الانفرادي، والاختلاط بالأهل والأصدقاء واللعب مع الأطفال خصوصًا.
- ممارسة الرياضة وخصوصًا المشي.
- قد تحتاج في بعض الحالات إلى الانتقال من المهام التي تتطلب جهدًا ذهنيا إلى مهام أخرى؛ تعتمد على الجانب الحركي، مثل ترتيب الأوراق والكتب وصيانة المنزل وغيرها.
إقرأ أيضا: الطماطم طريقك نحو التركيز والإنتاجية!
صحح نظرتك
ومن النقاط الهامة في التعامل مع هذه الاضطرابات النفسية، أن نصحح نظرتنا لها ونظرتنا لأنفسنا؛ فنظرتنا لتلك الحالة أنها نوع من الابتلاء من الله تعالى، وإشارة منه، تستدعي العودة والإنابة إليه، والإكثار من التسبيح والاستغفار.
وحينما تعترينا تلك الحالات فذلك لا يعني أننا بشر غير أسوياء!، أو أننا اشقى البشر، أو أتعسهم حظًا، كلا.. إنما هي حالة أصابتنا كما تصيب غيرنا، ولا يمنع حدوثها نجاح أو شهرة. وحينها نرفق بأنفسنا، و نقودها لبر الأمان، ونتجاوز تلك الحالة بسلام.
اطلب المساعدة الطبية
من الأهمية أن ننوه أن الاكتئاب المرضي والذي يستمر لفترات طويلة أو يؤدي إلى بعض الأفكار الغريبة أو أذية النفس والآخرين، كل هذا يجب أن يخضع للعلاج النفسي لدى أهل الاختصاص.