القيادة

مدخل لفهم كيمياء القيادة

الأثر العلمي للنواقل العصبية والهرمونات في القيادة

No votes yet.
Please wait...

ماهي كيمياء القيادة؟. أو بتعبير آخر هل توجد علاقة بين القيادة والكيمياء؟. ماهي النواقل العصبية والمواد الكيميائية المرتبطة بالسمات والأداء القيادي؟. وهل يمكن زيادتها لصناعة قادة أقوياء؟.
عزيزي القارئ أحاول في هذا المقال أن أضع بين يديك رؤوس أقلام للإجابة عن الأسئلة أعلاه، في ظل شحة المصادر العربية؛ التي تحدثت عن هذا الموضوع.

ماهي مكونات كيمياء القيادة؟

خلق الله الانسان بتركيب دقيق، محكم في أدق أجزائه، ولازال العلم حتى اليوم يجهل الكثير من التفاصيل عن عمل الدماغ، الذي تتم فيه تفاعلات كيميائية غاية في التعقيد، بين عدد من المواد الكيميائية (الهرمونات)، ينتج عنها جملة من السلوكيات، وتتولد الأفكار وكل العمليات الذهنية. وقد أمضى العلماء أوقاتا طويلة يبحثون حول الارتباط بين السلوك البشري وزيادة أو نقصان بعض تلك الهرمونات.

في كتابه (Leaders eat last)، حدد الكاتب (سيمون سينك) أربعة هرمونات رئيسية، ذات ارتباط وثيقة بالمهارات القيادية وهي:

  1. الإندورفين: الهرمون الذي يخفي الألم.
  2. الدوبامين: هرمون التحفيز.
  3. السيروتونين: هرمون المهارات الاجتماعية القيادية.
  4. الأوكسيتوسين: هرمون الحب والألفة.

أقسام الهرمونات المؤثرة على كيمياء القيادة

وقد قسم (سينك) هذه الهرمونات الأربعة إلى فئتين منفصلتين :


أ.الهرمونات الأنانية (تعزيز الذات):


وتضم الإندورفين والدوبامين وهي تساعدنا على إنجاز الأعمال، وتحقيق الإنتاجية الأعلى.


ب.الهرمونات غير الأنانية (السلوك الاجتماعي) :


وتضم السيروتونين والأوكسيتوسين، وهما يعملان على تقوية روابطنا الاجتماعية، وإنشاء اتصال/تعاون هادف.


اقرأ ايضا: كيف تتخذ قراراً معقداً بلا ندم؟

الهرمونات الأربعة الأساسية في كيمياء القيادة:

ودعنا نفصل الحديث عن هذه الهرمونات فيما يلي:

1.الأندورفين:


وهو هرمون يساعد في تحمل واخفاء الألم، ومواجهة الظروف الصعبة، لعل أبرز مثال توضيحي له: عندما ترى الرياضيين وهم يتحملون التمارين القاسية، ومع ذلك يستمتعون بما يعملون، كذلك مثال الانسان قديما يتحمل قساوة الحياة وينطلق في الغابات بحثا عن الطعام، ومادة الأندورفين كانت تساعدهم في إخفاء الألم، وتساعدهم على المضي قدما الى ما يريدون. ويساعد هذا الهرمون القادة على تحمل المشاق والصبر من أجل تحقيق الأهداف والغايات وعدم الاستسلام للعوائق.

اقرأ أيضا: التفكير الزائد [Overthinking] وكيف تتخلص منه؟

2. الدوبامين:


ويطلق عليه (الهرمون اللذيذ) لأنه المسؤول عن التحفيز، يعمل الدوبامين على تحفيزنا بوعده بالمتعة. وبدون وجود مستويات كافية من الدوبامين، فإننا نميل إلى المماطلة، وفقدان الثقة بالنفس، ونفتقر بشكل عام إلى الحماس؛ لوضع الأهداف وتحقيقها. مع الدوبامين، نبذل جهدًا أكبر، ونحصل على المزيد من الطاقة، ونكون أكثر سعادة بصفة عامة.. على الأقل لفترة محدودة من الوقت.و (يمكن للقادة الذين يمتلكون القدرة على إشعال الإلهام والتحفيز داخل أتباعهم تحقيق ذلك، من خلال إشراك نظام مكافأة الدوبامين في أدمغتهم بمهارة) (تشابمان، 2011).
الجانب السلبي للدوبامين، وكذلك الإندورفين، هو أن آثارهما الإيجابية تميل إلى أن تكون قصيرة الأجل في الجسم.
كذلك الخطير في الأمر أن الدوبامين هو مادة الإدمان، فالجلوس أمام التلفاز، او تصفح الجوال لفترات طويله، يولد لديك جرعات من الدوبامين تقول لك (أنظر المقطع التالي لعله أكثر متعه..) حتى ينسل الوقت من بين يديك. و كذلك الحال مع التدخين والخمور والمواد المخدرة والقات ونحوها (عافاكم وعافانا الله منها).
لذا فالتعامل المنضبط مع الدوبامين يتمثل في الحرص على جرعات الدوبامين الحقيقية، التي تأتي عندما تشطب المهام من قائمة (To do list) الخاصة بك والتي تدفعك للعمل الجاد لتحقيق المزيد من الأهداف الخاصة بك، وليس التفرج على الآخرين وهم يحققون أهدافهم عبر مقاطع الإنستغرام واليوتيوب..

3. السيروتونين:

قردة الفرفت

يساعد السيروتونين في تنظيم حالتنا المزاجية، وكذلك شهيتنا، مما يحقق الاستقرار العاطفي والهدوء والتركيز ويقلل القلق. يزداد السيروتونين فينا، وفي الأشخاص المرتبطين بنا، عندما نشعر بالفخر، وذلك عندما نفعل شيئًا مهمًا .
وقد أظهر بحث شافيز وزملاؤه (2021) أن انخفاض مستويات السيروتونين يرتبط بانخفاض السلوك الاجتماعي الإيجابي، وزيادة العدوانية، بينما ترتبط المستويات المرتفعة بزيادة السلوك الاجتماعي الإيجابي والتماسك الاجتماعي.
وفي دراسة أجراها كل من (مايكل ماكغواير) و(مايكل رالي)؛ وفريقهما من علماء جامعة كاليفورنيا، عن النظام الاجتماعي لقرود (الفرفت)، وجدوا أن أولئك القرود الذين في أعلى التسلسل الهرمي؛ لديهم ما يقرب من ضعف كمية السيروتونين في دمائهم. وعندما حل أحد القردة المنافسين محل أحد هؤلاء القادة، ارتفعت مستويات السيروتونين لدى الفائز، في حين انخفضت مستويات الخاسر بشكل حاد. ووجد (ماكغواير) (ورالي) أن ارتباط القيادة بمادة السيروتونين لم يقتصر على القرود. حيث قاما بأخذ عينات من بعض الأفراد بجامعة كاليفورنيا، وجد أن القادة لديهم مستويات أعلى من السيروتونين بنسبة 25٪ تقريبًا مقارنة بالأفراد العاديين.

4. الأوكسيتوسين:


ويطلق عليه هرمون الترابط والثقة ، فهو يقلل من مخاوفنا وقلقنا المرتبط بالثقة بالآخرين، وقد أظهرت الأبحاث أنه يزيد من تعاطفنا مع الآخرين.
وقد تم التعرف على الأوكسيتوسين لأول مرة من خلال دوره في النساء، وخاصة في الولادة والتمريض. فالأم بعد الولادة مباشرة؛ يمتلئ نظامها بهذه المادة الكيميائية، ويتم التفاعل بين الرضيع والأم من خلال التحديق أو اللمس أو الرضاعة، فينشط دور الأوكسيتوسين في بدء تدفق الحليب إلى الثدي. وبعد مزيد من التحقيق، وجد العلماء أنه يلعب دورًا في خلق رابطة عاطفية بين الأم والطفل أيضًا، وأنه حتى الآباء يتأثرون بهرمون الأوكسيتوسين عند التحديق في العيون واللعب مع أطفالهم، مما يزيد من التفاعل الترابط وخلق رابط الأبوة.
وفي مقال نشر عام 2017 في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، ذكر الدكتور (بول زاك)، عالم الاقتصاد العصبي المتميز ،والأستاذ في جامعة كليرمونت للدراسات العليا، أن القادة في مواقع العمل التي تسودها الثقة العالية يشعرون بالأمان عند طلب المساعدة من زملائهم بدلاً من مجرد مطالبتهم أو أمرهم بالقيام بالأشياء، إذا وجد من خلال بحثه أنه يحفز إنتاج الأوكسيتوسين لدى الآخرين، مما يزيد من ثقتهم وقدرتهم على العمل والتعاون.
لعلك عزيزي القارئ ستقول: هذا شي رائع؛ لماذا لا نوزع على الناس عبوات من الأوكسيتوسين ليعم الحب والثقة في العالم!!.
مهلا.. فالجانب السلبي لزيادة هذا الهرمون أوضحته دراسة أخرى: أن الأوكسيتوسين يزيد من سلوك الكذب، إذا شعر الشخص أن الكذب سيفيد أفراد مجموعته.

كيف تدير كيمياء القيادة الخاصة بك؟


هل نستطيع التحكم في انسياب تلك المواد والهرمونات الجميلة في أجسامنا؟
بالطبع يمكننا التحكم في النطاق الآمن، (بالحفاظ على الحد المقبول من كل هرمون)، بطرق أودعها الله فينا ويسر لنا سبلها، وقد جمعت لك عزيزي القارئ في الجدول الآتي خلاصة هذا المقال، متضمنا كيف يمكن إدارة تلك الهرمونات في أجسامنا:

جدول يبين الهرمونات المؤثرة على السلوك القيادي

ختاما فقد أودع الله في الانسان اسرارا مذهلة في الخلق والتكوين لازال العلماء يبحثون عن مكنونها ويفتشون في خفاياها. ولعل ما ذكرناه أعلاه يمثل نزرا يسيرا لتلك الخفايا. فإن هناك خفايا أخرى لا تزال غامضة وهي المتعلقة بالتفاعل بين هذا المواد الكيميائية والنتائج المتولدة عنها، و كذلك لا تنسَ أن نسبة تواجد كل مادة منها في جسمنا محكوم بحد أدنى وحد أعلى إذا تم تجاوزه تكون النتائج عكسية. وصدق الله تعالى حين قال سبحانه (إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (49سورة القمر).

No votes yet.
Please wait...

أحمد باحصين

استشاري تخطيط استراتيجي اخصائي تطوير مؤسسي متخصص في التدريب القيادي والاداري وتقديم وإعداد برامج الموهوبين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى