اللَّهمَّ انصر إخواننا في فلسطين وفرّج همهم وأكشف كربتهم وأخذل عدوّهم

خواطر

الانفتاح الفكري خارج قفص الاتهام

كيف تكون منفتحًا فكريًا باتزان؟

Rating: 5.0/5. From 3 votes.
Please wait...

في القصة الشهيرة التي ملخصها أن امرأة استضافت صديقتها، فلاحظت الضيفة أن مضيفتها تقطع رأس وذيل السمكة قبل وضعها في المقلاة الكبيرة، فسألتها عن السبب؛ فكان الرد العجيب: لا أدري؛ غير أني رأيت أمي تفعل ذلك. وباتصال بسيط بأمها تكتشف أنها أيضا لا تعرف السبب وإنما لأن الجدة كانت تفعل ذلك! ليكتشفن في النهاية أن الجدة تفعل ذلك لأن مقلاتها صغيرة لا تتسع للسمكة كاملة فكان لابد من تقصيرها!

إرث يشكّلنا

تلقينا خلال مراحل تربيتنا قدرًا كبيرًا من القناعات والأفكار التي غُرست في أذهاننا بقصد أو بدون قصد، وأصبح كثير من تلك الأفكار والقناعات جزءًا أصيلًا من شخصيتنا ونمط حياتنا، ودون أن نكلف أنفسنا عناء تمحيصها سنقوم بنقلها لأبنائنا!

الانفتاح الفكري .. نظرة عن قرب

لقد ميز الله تعالى الإنسان بالعقل والفكر والاختيار، وذم أقوامًا عطلوا استخدام هذه المميزات واكتفوا بتقليد آبائهم، قال تعالى: (بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ) سورة الزخرف (22). هل لاحظت أيضًا أنهم مصرون على فكرتهم ورافضون لأي محاولات لإعادة النظر والاستدلال؟

ماذا أقصد بالانفتاح الفكري؟

أعتقد أن تحرير مصطلح الانفتاح الفكري كما أعنيه أنا في هذا المقال مهم للغاية حتى يُفهم كلامي في سياقه الطبيعي.

فالانفتاح الفكري من وجهة نظري هو: قدرة الفرد على استقبال الأفكار الجديدة، وتقييمها بعقلانية، وتبني ما يُثريه منها دون التعصب لرأي مسبق، أو الخوف من التغيير، في إطار ثوابت وقيم وأخلاق الإسلام.

فرحلتك نحو الانفتاح الفكري يجب أن تنطلق من أساس متين لفهم ثوابت الإسلام وحقائقه والتمييز بينها وبين العادات المتوارثة والاجتهادات الواهية التي شوهت جمال الدين والمجتمع. فإذا امتلكت القاعدة المعرفية المبنية على أساس عقدي صحيح وفقه شرعي أصيل، افتح باب عقلك لتهب رياح الفكر بلا خوف.

أهمية الانفتاح الفكري

أزعم أن الانفتاح الفكري هو مفتاح التعلم والإبداع، فلا يمكنك تكوين تصورات وأفكار حديثة، أو تكوين علاقات متنوعة ذات جدوى دون الانفتاح، وكما قال فرانك زابا: “العقل مثل المظلة، لا يعمل إلا إذا كان مفتوحًا”. وكذلك الإبداع يعتمد على كسر النمط الاعتيادي حتى نستكشف الجديد. وبحسب الفيلسوف إريك فروم، فإن “الإبداع يتطلب الشجاعة للتخلص من الثوابت”.

أضف لذلك أن النهضة والحضارة تعتمد على مبدأ الانفتاح. فلولا الانفتاح لما تبع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقترح سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق، ولولا الانفتاح لما كانت حركة الترجمة الهائلة في العصر العباسي والتي كانت مفتاحًا لتطور كثير من العلوم المعاصرة.
إن العيش مع الروتين النمطي لا يحرك أبدا عجلة الحياة إلى الأمام يقول الفيلسوف الهندي كريشنامورتي :”معظم البشر بليدون، راكدون، ويفضِّلون مواصلة الحياة بشخصياتهم النمطية القديمة، بعاداتهم التفكيرية ذاتها، ويرفضون كلّ ما هو جديد لأنهم يعتقدون أن العيش مع المألوف أفضل بالنسبة لهم من المجهول، فهو يمدُّهم بالأمان كما يعتقدون.ولذا، يتابعون تكرار ما يقومون به ويعملون و يكافحون ضمن المحيط المألوف بالنسبة لهم.”

ولا أظن عاقلا يقول بإمكانية تحقيق نهضة دون انفتاح فكري وثقافي منضبط، يوفي متطلبات التقدم واحتياجات المجتمع.

فوائد الانفتاح الفكري:

1.        فهم العالم بشكلٍ أفضل: مع الانفتاح، ندرك أننا لا نملك الحقيقة المطلقة، وأنّ هناك وجهات نظر مختلفة تستحقّ الاحترام والدراسة. كما ندرك أن الحقائق هي قدر محدود أمام أكوام الآراء التي يعج بها الوسط الفكري والثقافي.

2.        التواصل بفاعليةٍ: مع فهمنا لوجهات نظرٍ مختلفةٍ، نصبح أكثر قدرةً على التواصل بفاعليةٍ مع الآخرين، وبناء علاقاتٍ إيجابيةٍ معهم. وهنا لفتة حساسة في ظل الخصومات الفكرية والدينية والسياسية المنتشرة في مجتمعاتنا العربية نجد أنفسنا بحاجة ماسة لسماع الآخرين مباشرة دون أن نبني وجهات نظرنا التقييمية للأفراد والهيئات والجماعات والأحزاب بناء على تصورات مسبقة أو ما يقال أو يشاع عنهم. وهذه الفكرة على صعوبتها تعتبر مفتاح الوسطية في الانفتاح والتعايش.

3.        حلّ المشكلات بإبداعٍ: مع انفتاحنا على أفكارٍ جديدةٍ، نطور مدخلات عقولنا من المرئيات والمسموعات والمدركات المختلفة فنصبح أكثر قدرةً على حلّ المشكلات بطرقٍ إبداعيةٍ ومبتكرةٍ.

4.        التكيف مع التغيير: العالمُ في تغيّرٍ مستمر، ومع انفتاحنا، نصبح أكثر قدرةً على التكيف مع التغييراتِ، والتعامل معها بمرونةٍ. فـ “التغيير هو القانون الوحيد الثابت في الحياة، وأولئك الذين ينظرون فقط إلى الماضي أو الحاضر سيغيبون بالتأكيد عن المستقبل” كما يقول جون كينيدي.

5.        السعادة والرضا عن النفس: مع انفتاحنا على أفكارٍ جديدةٍ وتجاربٍ مختلفةٍ، نصبح أكثر سعادةً ورضا عن أنفسنا. فليس هناك أشد ضغطًا على النفس ومقلقًا لها من وجود تضارب في القناعات في الأفكار أو في تبني أفكار تكتنفها شكوك لها حظها من المنطق.

كيف نُنمّي انفتاحنا الفكري؟

فيما يلي بعض الأفكار لتنمية الانفتاح الذهني والفكري:

1.        القراءة والاطلاع:

اقرأْ كتبًا ودراساتٍ في مجالاتٍ مختلفةٍ، واكتشفْ ثقافاتٍ جديدةً. اقرأ لمن تختلف معه، اقرأ لمن يتحدى قناعاتك واستكشف علوما جديدة بعيدة عن تخصصك، اقرأ عن ثقافات وعادات الشعوب والمجتمعات القريبة منك والبعيدة. يقول الأستاذ علي الوردي في كتابه (مهزلة العقل البشري): “إن الذي لا يفارق بيئته التي نشأ فيها ولا يقرأ غير الكتب التي تدعم معتقداته الموروثة ويركز فقط على ثقافة بلده، فلا تنتظر منه أن يكون محايدا في الحكم على الأمور بل توقع منه العنصرية الشديدة والتعصب لبلده وفكره”.

2.        السفر:

سافرْ واكتشفْ أماكنَ جديدةً، وتعرفْ على عاداتٍ وتقاليدَ مختلفةٍ. وليس بالضرورة السفر إلى دول أخرى بل السفر إلى محافظات وولايات أخرى في بلدك وزيارة مدن وقرى جديدة، يساعدك على فهم مدى تعدد وتنوع الثقافات في إطار البلد الواحد.

3.        الحوار والمناقشة:

حادثْ أشخاصًا من خلفياتٍ مختلفةٍ، وبلدان مختلفة واستمعْ إلى وجهات نظرهم بانفتاحٍ، وتعرف على الإطار المنطقي والفكري لآرائهم وانظر كيف يستدلون عليها. ثم حلل تلك الأدلة واعرف حالها وقوتها.

4.        التجربة:

جرّبْ أشياءَ جديدةً، واخرجْ من منطقةِ راحتك. جرّب رياضة جديدة، جرّب جهازًا جديدًا، جرّب الرسم، جرّب كتابة الخواطر اليومية، صور مقطع فيديو وأنشره. كل تجربة جديدة تضيف لخبراتك الكثير وتضيف لقائمة علاقاتك إضافات جديدة.

5.        التفكير النقدي:

لا تُصدّقْ كلّ ما تقرأهُ أو تسمعهُ، بل ابحثْ عن الأدلةِ، وقيّمْ المعلوماتِ بعقلانيةٍ. تعرّف على المغالطات المنطقية الشائعة، ومحص بها ما تقرأه وتشاهده وتسمعه.

6.        التواضع:

اعترفْ بأنك لا تعلمُ كلّ شيءٍ، وكنْ مستعدًّا للتعلمِ من الآخرين. فحينما تعتقد أنك امتلكت العقل الرصين الراجح، حينها تبدأ في الانحدار، ويفوتك الكثير. اعترف بالنقص دائما، فإن (فوق كل ذي علم عليم)، والله وحده عز وجل صاحب العلم المطلق.

7.        لست مضطرا لتقييم الناس:

دع الخلق للخالق، ولا تحمل ميزانك الخاص لتصنف الناس فترفع أقوامًا وتضع آخرين. لكن احكم وقيّم الأشخاص والهيئات -إن كنت مضطرًا لذلك- بناء على ما سمعته منهم لا ما قيل عنهم، وأفعالهم التي تراها لا تلك التي يُقال إنهم فعلوها.

أخيرًا قارئي الكريم، استخدم مصطلح الانفتاح الفكري مؤخرا لغرض محاربة الدين، بحسن نسية او بفساد طوية، وليس غرض مقالي الرد على هذا التوجه المفضوح أصلا، وإنما كتبت هذا لأؤكد أن الانفتاح الفكري هو الحرية الحقيقية، والحرية ثمينة جدا، لذا احرص على العمل بما تقتنع به لا ما يُملى عليك، ولا تجعل عقلك وفكرك عقارًا يؤجر لمن يدفع أكثر، فأنت أكرم من ذلك وأجل.


مصادر:
1 | 2 | 3

Rating: 5.0/5. From 3 votes.
Please wait...

أحمد باحصين

استشاري تخطيط استراتيجي اخصائي تطوير مؤسسي متخصص في التدريب القيادي والاداري وتقديم وإعداد برامج الموهوبين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى