تبددت كل آماله وتحطمت واختزلت في أمنية واحدة يحلم بها في كل لحظة من يومه .. رغم أنه في العقد الثالث من عمره إلا أنه يعيش حياة الشيخوخة. فليله أوجاع وآلآم وتأوهات تعصر الكبد، ونهاره حسرات ودموع، لم يبق من جسمه الا شبح او قل هيكل عظمي غطاه جلد رقيق .. فالألم قد شفط الشحم وفرك اللحم ونحت العظم .
يقول: الساعة الثانية بعد منتصف الليل ..آه ما أطول ساعات الليل واقسى وقعها ، كل دقيقة منها احس أنها تأخذ بعضا من جسدي الهامد فتلفني وحشة رهيبة وآلآم لا تتوقف . تعصر الأحشاء وتقطع الأوصال كل جزء من جسدي ينخله الألم نخلا فلا أذكر شيئاً مما حولي إلا أم أولادي بوجه كئيب ودمع لا ينقطع وجسم قد أصابه الإنهاك من عمل النهار لتوفير لقمة العيش وسهر الليالي عند رأسي ولسانها لايفتر عن الدعاء والمناجاة .
يفك الحصار الرهيب صوت المؤذن لصلاة الفجر الذي ينساب في اذني ببرودة تخفف سخونه الألم . آآه ليتني استطيع تلبية النداء ولو زحفا ليتني انعم بنظرة لصفوف المصلين في بيت الله واسمع الأمام وهو يرتل الآيات بصوت عذب شجي ..
لم يكمل صاحبي عباراته لأن العبرة قد اقتنصت صوته . وأنا لم اعد اقوى على الاسترسال .
لكن اقف معك عزيزي القارئ وقفات :
- هل نشعر يوميا بقيمة الصحة التي وهبنا الله إياها ثم هل نعامل المرضى المعاملة الصحيحة التي تليق ، كم بيت فيه مريض لا يعامل معاملة لائقة بل وللأسف هناك من يتضجر من بقائه على قيد الحياة يستنزف الأموال في الأدوية . قد يكون هذا المريض ابا او اما ولكن الأبوة والأمومة لم تعد تثير الرحمة في نفوس بعض الأبناء الذين أغرقتهم الماديات وغرهم حلم الله .
- ولأطبائنا ومساعديهم اقول :اعتقد اني لن اكون أعلم منكم بنفسية المريض واعلم انكم تقاسون وتعانون الكثير ولكنكم اتخذتم قراركم بالعمل في هذه المهنة النبيلة فتحملوا مشقتها وتبعاتها ، تعلمون كم تؤثر النفسية السيئة للمريض في تدهور صحته والعكس بالعكس فلا تكونوا – رعاكم الله- سببا في تدهور نفسيات المرضى . ولتراقبوا الله اولا وأخير وضعوا لأنفسكم سؤالا عندما ياتيكم المريض كيف سأتعامل مع هذا المريض لو كان أخي أو أبي أو قريبي وتصرف بما يمليه عليك دينك وضميرك ولا يطلع على سريرتك الا الله وحده .
- الدولة قد تخلت عن المرضى والتزاماتها لهم صحيح كثرت المستشفيات والعيادات والصيدليات ولكن من يستطيع الدفع يحصل على هذه الخدمات فماذا يفعل المرضى المعدمون ؟! أمام كعوب السندات والفواتير التي تنتظر الدفع فليس أمامه إلا الغرق في الديون أو الـموت بألـمهم.
• الجمعيات الخيرية والمحسنين ـــ وفقهم الله لكل خير ــ لماذا لانبحث عن اصحاب الأمراض المزمنة خصوصا أؤلئك الذين يعيلون اسرا كاملة ونشملهم بالرعاية والكفالة ، أعلم أن هناك جهود في هذا المجال ولكن لازالت ضعيفة فكل المحسنين والمتصدقين يبحثون عن الأيتام حتى اصبح من الشائع القول – رب يتيم أغنى من متصدق- لا أدعو لترك أي مجال من مجالات العمل الخيري ولكن أدعو للإتزان.