يتساءل أحد الأصدقاء: لماذا نبدو فاشلين في التعامل مع مشكلاتنا الخاصة؟!، ويضيف لقد ساعدت الكثيرين على تحديد تخصصهم في الحياة؛ بينما أشعر أنى أنا المشتت، وساعدت الكثيرين على بناء مشروعاتهم الخاصة؛ وأنا الذي فشلت في عدة مشاريع خاصة بي!، والأسوأ من ذلك أني ساعدت الكثيرين على تحقيق السعادة الأسرية؛ وأنا من فشلت في حياتي الزوجية التي انتهت بالطلاق!.
مفارقة سليمان Solomon paradox (مع التحفظ)
فكلنا لدينا عشرات الحلول لمشكلات الآخرين، بل ربما مشكلات العالم؛ من الاحتباس الحراري والحرب الروسية الأوكرانية .. لكننا في الحقيقة نشعر بالعجز حينما تكون القصة قصتنا، فتختفي من أمام أعيننا كل تلك الحلول والحكم العبقرية في التعامل مع المشكلات وأزمات الحياة.
هذه الظاهرة ليست متعلقة بصديقي فحسب لكنها ظاهر إنسانية اشتهرت لدى علماء النفس بـ (مفارقة سليمان Solomon paradox)، وفي الحقيقة أنا شخصيا أتحفظ على إطلاق هذا المصطلح لأنه مبني على وجهة نظر إسرائيلية في نبي الله سليمان عليه السلام، لهذا سأتجاوز المصطلح لأتحدث عن المضمون.
اهتم الباحثون بهذه الظاهرة الإنسانية، وكُتبت فيها عدد من البحوث والمقالات العلمية، وممن اهتم بها عالم النفس إيغور غروسمان، الذي قام بإجراء عدد من التجارب، وأثبت أن الناس حقيقة يتصرفون بحكمة وعقلانية عند التعامل مع مشكلات الآخرين، ويعجزون عن حل مشكلاتهم الخاصة (اقرأ الورقة العلمية من هنا).
ويعلل الباحثون هذه الظاهرة بأن تفكيرنا في مشكلاتنا يتأثر بعواطفنا، فحينما نحلل مشكلاتنا الخاصة تتنازعنا العواطف والمؤثرات الشخصية والعلاقات، وهو ما ينعدم عندما نتعامل مع مشكلات الآخرين.
كيف يمكنني توظيف حكمتي لصالحي؟
إذا كانت هذه الظاهرة طبيعة بشرية، فهل يمكننا تجاوزها أن الحد من اثرها؟.
للتخفيف من أثر هذه الظاهرة أقترح عليك ما يلي:
1. أنظر من زاوية ثالثة:
بمعنى افترض أن هذه المشكلة -التي تحاول حلها- ليست مشكلتك؛ وإنما مشكلة شخص آخر عرضت عليك لإبداء لسماع رأيك فيها، وحتى يبدو هذا الأمر طبيعيًا أقترح عليك أن تكتب المشكلة على شكل سؤال لطلب الاستشارة، وتوضح فيه أبعاد المشكلة وأسبابها.. الخ، ثم في جلسة أخرى تقرأ ما كتبت وأنت تتقمص شخصية المستشار، وتحاول الإجابة على الاستشارة؛ بكتابة الرد أسفلها أو في ورقة أخرى، أنت في هذه الحالة تمثل شخصية المستشار الذي ليس له ارتباط شخصي بالمشكلة، وتسمح لك هذه الحالة بالنظرة المتجردة للمشكلة وأبعادها، كما تعطي فرصة لتتفهم وجهة نظر الطرف الآخر في المشكلة، كل ذلك يبدو وكأنه وجهة نظر شخص ثالث محايد تتقمص شخصيته، مما يحد من تأثيرها النفسي عليك وعلى صياغة الحل.
2. الاستشارة:
ليس كل الناس قادرون على تطبيق الفكرة الواردة في البند الأول؛ إما لعدم قدرته على الخروج من حالة الاندماج الشخصي مع المشكلة، أو لعدم قدرته على كتابة توصيف جيد لمشكلته، هنا لابد من طلب المساعدة من صديق نثق في حكمته وعلمه، وقد كتبت مقالاً عن الاستشارة ضمن سلسلة اتخاذ القرار أتمنى تفيدك.
فلا تعجب يا صديقي حين تكتب مشكلة ما على صفحات التواصل الاجتماعي وتجد الكل لديه حل لتلك المشكلة، مهما كانت بالغة التعقيد، فالكل حكيم مادامت القصة ليست قصته.