أنا وأنت نحلم بالعمل بإنتاجية عالية، في مختلف حالاتنا بما فيها حالات المزاج السيئ، وهو أمر ليس مستحيلاً، ولا أدّعي أنه سهل في نفس الوقت، لكنها سمة ذوي الهمم العالية والناجحين، ولو أن أحدهم لا يعمل إلا عندما يطيب حاله، ويصفى ذهنه ويطرب قلبه، فلن ينجز شيئا يذكر في حياته.
ولله در العلامة ابن فارس حين قال:
إذا كان يؤذيك حر المصيف * ويبس الخريف وبرد الشتا
ويلهيك حسن جمال الربيع* فأخذك للعلم قل لي متى؟
رحى العمل لا تتوقف، والتوقعات المطلوبة منك سقفها عال عال جدا، وأنت يا عزيزي لست آلة؛ لتعمل بوتيرة واحدة طوال دهرك، فدوام الحال من المحال، وأنت في الدنيا يا صديقي لست في الجنة، فطبيعي أن تأخذ نصيبك من (النكد)، ويأخذ نصيبه منك. هي طبيعة الحياة كما وصفها الشريف المرتضى:
هو الزمان فلا عيش يطيب به ** ولا سرور ولا صفو بلا كدر
يجني الفتى فإذا ليمت جنايته ** أحال من ذنبه ظلما على القدر
وكل يوم من الأيام يعجبنا ** فإنما هو نقصان من العمر
اقرأ أيضا: خمسة أفكار لاستعادة التركيز عندما تصاب بالاكتئاب أو الحزن الموسمي
محتويات المقال
تأثير المزاج السيئ على الإنتاجية اليومية:
في بحث مشترك ل (نانسي روثبارد و ستيفياني ويلك) من جامعة فيشر للأعمال بأمريكا؛ خلص الباحثان إلى أن تأثير المزاج السيئ الذي يستهل به الموظفون نهارهم قد يمتد تأثيره لأبعد مما نتوقع، وله تأثيره الواضح في أداء العمل.
أعرف أن الأمر بالنسبة لكثير منا واقع معاش. ولا يحتاج لأدلة من الأبحاث والدراسات. لكن عمق تأثير الحالة المزاجية السيئة لأحدنا وامتدادها لتشمل الجسد والروح والتفكير يجعلنا نهرب بحثا عن حل.
كيف يمكن تحسين الحالة المزاجية السيئة؟
تصف الباحثة في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو (Nicol Torres)؛ ثلاث خطوات لتحسين الحالة المزاجية السيئة:
1.ركز على تنفسك : إذ أن كمية الأكسجين الداخل للجسم لها تأثيرها الكبير على الحالة النفسية والمزاجية. فجرب أن تكون كريما على رئتين، وتملأهما بالهواء بتنفس عميق كلما شعرت بالمزاج السيئ.
2.فعّل شعورًا إيجابيًا: ابحث عن مصادر الامتنان في حياتك، أنظر للنعم التي حباك بها الله تعالى، أنظر لأشياء تبهجك، فقطرات الإيجابية حين تملأ ذهنك يبدد نورها كل بقع الإحباط والسلبية.
3.اطرح بعض الأسئلة بطريقة إيجابية: طبيعة الدماغ لا يترك سؤالا بلا جواب، وعلى حسب طريقة السؤال يكون الجواب، في حالتك المزاجية السيئة أنت بحاجة للإكثار من أسئلة (كيف) واترك (لماذا). فسؤال عن كيفية إتمام مهمة عمل أو كيفية إصلاح وضعك الحالي سيكون أجدى من أن تسأل لماذا أصابك هذا؟!
أثر بيئة العمل في تحسين المزاج:
وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة “Environmental Health Insights” في عام 2015، اكتشف الباحثون أن تقليل مستويات الضوضاء في مكان العمل بنسبة 30٪ يمكن أن يؤدي إلى زيادة بنسبة 15٪ في مستويات السعادة لدى الموظفين.
وفي دراسة أخرى نُشرت في مجلة “Management Science” في عام 2018 تشير إلى أن زيادة مستويات التواصل والتفاعل الاجتماعي في مكان العمل يمكن أن تساهم في زيادة معدلات السعادة بنسبة تصل إلى 25٪.
وحين الحديث عن بيئة العمل تطير أذهان الكثير منا إلى البيئة المادية؛ من تجهيزات ونحوها، بينما أكثر الأبحاث تؤكد على الجوانب الآتية :
- العلاقات الإيجابية بين الموظفين والزملاء.
- الشعور بالتقدير والدعم من قبل الإدارة.
- وجود أهداف واضحة وقابلة للتحقيق.
- تخصيص الوقت للراحة والاسترخاء.
- توفير بيئة عمل مريحة وآمنة.
فالمدير يدعم نفسية الموظفين ويحسنها بكلمات إيجابية بسيطة مع بداية دوامهم. بل وزملاء العمل يمكن أن يسهموا في تعزيز نفسياتهم؛ بالحرص على انتقاء العبارات الإيجابية، خصوصًا في بداية الدوام.
اقرأ أيضا: كيف تكون متحفزاً وتقاوم التثبيط والإحباط؟
أفضل الممارسات في تعزيز الإنتاجية رغم المزاج السيئ:
لقد طفت في عشرات الكتب والمقالات العلمية. بحثًا عن أفضل الممارسة للتعامل مع المزاج السيئ، والعمل بإنتاجية أفضل فإليك بعضا مما قرأت:
- اكتب قائمة (معقولة وواقعية) لمهامك في مساء اليوم السابق.هذا من شأنه أن يحفزك للاستيقاظ باكرا بشيء من النشاط. كنتيجة للشعور أن عليك إنجاز مهام محددة. خلافا لمن يكتب مهام يومه بعد الاستيقاظ.
- لا تبدأ يومك بتصفح الجوال، وابدأ يومك بصلاة الفجر وتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم وشيء من الأذكار. هذا من شأنه أن يجدد صلتك بالله تعالى، ويشعرك بالامتنان أن منحك فرصة إضافية للعيش، ويشعرك بحالة نفسية جيدة.
- شيء من المشي ولو ربع ساعة؛ كفيل أن يلين مفاصلك المتيبسة، ويمنحك الشعور بالنشاط.
- ابحث عن الساعة الذهبية لإنتاجيتك. فبحسب مجلة هارفارد بزنس ريفيو هناك 10% من الناس يعتبر الصباح الباكر أفضل أوقات إنتاجيتهم، بينما هناك 20% يعتبرون ليليين! يكونون في أحسن حالاتهم الإنتاجية في الليل. وبقية البشر بينهما، أي يحتاجون لفترة إحماء في الصباح حتى يصلوا لذروة نشاطهم قرب الظهيرة. فإذا عرفت نمطك وساعتك الذهبية التي تكون فيها أكثر إنتاجية؛ ضع فيها أعمالك المهمة والتي تتطلب جهدا وتفكيرا. وضع الأخرى في أوقات النشاط المنخفض.
- عندما تكون البداية صعبة، ابدأ بإنجاز مهمة بسيطة؛ كفاتح شهية للعمل. فالإنجاز مهما كان بسيط يعزز ثقتنا بأنفسنا، وننطلق لإنجاز المزيد من المهام.
- قسّم المهام الكبيرة لمهام أصغر. وحسب الكاتب “برايان تريسي” مؤلف كتاب ابدأ بالأهم ولو كان صعباً” فإن تجزئة المهام الكبيرة إلى مهام صغيرة يسهل إنجازها. فتنظر إلى المهمة بثقة بدلاً من الرهبة التي تعتريك بالنظر إلى العمل الكامل.
اقرأ أيضا: الطماطم طريقك نحو التركيز والإنتاجية!
حتى المزاج السيئ لا يخلو من فائدة
يشير بعض الباحثين إلى أن المزاج السيئ لا يعني عدم القدرة على إنجاز المهام. بل وجدوا أن هناك مهام ربما يتم إنجازها بشكل افضل من قبل صاحب المزاج السيئ. كتلك المهام التي تتطلب حسًا وتفكيرًا نقديًا، ذلك أن صاحب المزاج السيئ يميل للنصف الفارغ من الكوب. فلا يرى إلا السلبيات والمآخذ، مما يعني أنه سيلفت نظرنا إلى الجوانب الأخرى التي لم ندركها في المشروع. حينما نظرنا إليه بحماسة وتفاؤل.
ختاما لا تترك المزاج يديرك، وبادر إلى كسر النمط، بالتوجه إلى ما يسعدك، فنفسيتك رصيدك للإنجاز، ووقود صحتك الجسدية أيضا.